الأمر الرابع
إن القضية إمّا موجبة معدولة المحمول كالمرأة غير القرشية، وإمّا موجبة سالبة المحمول كالمرأة التي ليست بقرشية، وإمّا سالبة محصّلة مثل: لم تكن المرأة بقرشيّة. وعليه، فإنّ الحيث العدمي تارةً يكون وصفاً للموضوع واُخرى لا يكون كذلك.
وبعبارة اخرى: تارةً: يربط السلب إلى الموضوع، واخرى: يسلب الربط عنه، فإنْ كان من قبيل الأوّل فالقضية موجبة، تقول: المرأة غير القرشية، وإنْ كان من قبيل الثاني فلا سلب مرتبط بالموضوع بل ربطٌ يسلب، فالقضية سالبة محصّلة، إنْ لم تكن المرأة قرشيةً….
وإذا كان عدم القرشية وصفاً للموضوع كما في الأول، لم يستصحب هذا العدم قبل وجود الموضوع، لفرض كونه متأخّراً عنه تأخّر الصفة عن الموضوع، إلاّ على القول بالأصل المثبت، لأن عدم الوصف قبل الموضوع يغاير عدمه بعده.
أمّا في الثاني، حيث تسلب القرشية عن الموضوع ولا يكون عدمها وصفاً له بل هو مسلوب عنها، فالاستصحاب جار، لأنّ المرأة لم تكن قرشيةً أزلاً وهي الآن كذلك، كما لو شكّ في شرط أنه مخالف للكتاب والسنّة أو لا؟ وقد تقدّم أنه تارةً: نسلب النّسبة كما في زيد ليس بقائم، واخرى: ننفي الربط كما في: زيد ليس في الدار، وفي كليهما الرفع، لكنْ في الأول رفع للنسبة وفي الثاني رفع للربط، وقد عرفت أن النسبة عبارة عن الاتحاد بين الموضوع والمحمول وهي موجودة في جميع القضايا، بخلاف الربط فليس في جميعها وهو مفاد حرف الجر. وأمّا في مفاد كان التامّة مثل زيد موجود، فقد قالوا بوجود النسبة في عالم التحليل العقلي، إذْ لا نسبة بين الشيء ونفسه كما تقدم.
فالقضايا التي هي مفاد كان الناقصة يوجد فيها الربط، فزيد عالم معناه: زيد له العلم، وأمّا السلب، فليس إلاّ العدم، وهو لا حكم له، فلما نقول: زيد ليس بموجود، نرفع الاتحاد بين زيد والوجود، لكن في زيد ليس عالماً، نرفع الارتباط بينهما، ورفع الوصف عن الموضوع لا يفيد وضع وصف آخر فيه، فرفع القرشية عن المرأة لا يفيد اتّصافها بعدم القرشية بل هو رفع للقرشية عنها.
ففي «المرأة ترى الحمرة إلى خمسين إلاّ القرشية» عامٌ وخاصٌ، فإنْ كان الخاص ـ وهو «إلاّ القرشية» ـ يفيض وصفاً عدميّاً على موضوع العام أي المرأة، فيكون المعنى: «المرأة الموصوفة بعدم القرشية ترى الحمرة إلى خمسين» فلا يجري الاستصحاب، لكون الوصف متأخراً عن الموضوع، إلاّ على القول بالأصل المثبت. وإن كان الخاصّ رافعاً للقرشيّة وسالبها لهاً عن المرأة، فذلك يكون على نحوين: أحدهما: المرأة غير القرشيّة، والآخر: مورد عدم وجود المرأة من الأصل… وعلى كلا النحوين ترتفع القرشيّة، وهذا معنى قولهم: السّالبة المحصّلة ذات فردين: السالبة بانتفاء المحمول والسالبة بانتفاء الموضوع… وعلى كلا الحالين، لا مانع من الاستصحاب، إذ المرأة لم تكن ولم تكن معها القرشية، فهل وجدت القرشية بوجودها أوْ لا؟ الأصل هو العدم.
Menu