الأمر الثاني (في الفرق بين هذه المسألة و مسألة النهي في العبادة)
قال في الكفاية(1) ما ملخّصه: إن الجهة المبحوث عنها هنا هي: هل إن تعدّد العنوان في الواحد ذي العنوانين، يوجب تعدّد المتعلَّق بحيث ترتفع مشكلة استحالة الاجتماع أو لا؟ (قال): فالنزاع في سراية كلٍّ من الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر لاتّحاد متعلَّقيهما وجوداً وعدم سرايته لتعدّدهما وجهاً.
أمّا في تلك المسألة، فإن البحث في أن النّهي هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة بعد الفراغ عن توجّه النهي إليها أو لا يوجبه؟
(قال) نعم، لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع، يكون مثل الصّلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.
وحاصله كلامه: إن ما به الإمتياز بين المسألتين هو الجهة المبحوث عنها في كلٍّ منهما… وهذا لا ينافي أن يكون مورد البحث في مسألتنا من صغريات المسألة الاخرى، على بعض التقادير… فالفرق بين المسألتين في غاية الوضوح.
هذا، وفي بيان الفرق بين المسألتين أقوال اخرى، تعرّض في (الكفاية) لاثنين منها:
أحدها: إن البحث هنا عقلي، وهناك في دلالة النهي لفظاً.
قال في (الكفاية) بفساد هذا القول، لأنّ البحث هناك أيضاً عقلي، على أن النهي في العبادة غير مختص باللّفظ.
والثاني: ما ذهب إليه الميرزا القمي(2) من أنّ الموضوع في تلك المسألة هو العام والخاص المطلق، كالأمر بالصّلاة، ثم النهي عن الصّلاة في الحمام، فيبحث عن دلالة هذا النهي على فسادها وعدم دلالته… أما في مسألتنا، فالنسبة هي العموم من وجه، كما هو الحال بين الأمر بالصّلاة والنهي عن الغصب.
والثالث: ما ذهب إليه صاحب (الفصول)(3) ـ بعد الإشكال في كلام الميرزا القمي ـ وهو إن الموضوع في مسألتنا مغاير تماماً للموضوع في تلك المسألة، بخلاف مثل الصّلاة والصّلاة في الحمام، فإن الموضوع متّحد وإنْ كان بينهما عموم مطلق.
فأجاب المحقق الخراساني: بأنّ تعدّد الموضوعات أيضاً غير موجب للتمايز بين المسائل ما لم يكن هناك اختلاف الجهات.
والحق معه فيما قال.
(1) كفاية الاصول: 150.
(2) قوانين الاصول 1 / 140.
(3) الفصول الغروية: 140.