الأمر الثاني (إذا تعدّد الشرط و اتحد الجزاء)
كما في: إذا خفي الجدران وخفي الأذان فقصّر.
أمّا على القول بعدم المفهوم فلا كلام، بل هما حكمان لموضوعين.
وأمّا على القول بالمفهوم ـ إمّا بالوضع اللغوي وإمّا بالإطلاق المنصرف إلى الفرد الأكمل وهو العلّة المنحصرة، وإمّا بالظهور العرفي وإمّا بالإطلاق المقامي ـ فيقع الإشكال، لأنّ مفهوم «إذا خفي الجدران» مطلق، أي سواء خفي الأذان أو لا، وكذا مفهوم «إذا خفي الأذان» أي: سواء خفيت الجدران أو لا، فما هو الرافع لهذا التمانع بين منطوق أحدهما مع مفهوم الآخر؟
المستفاد من كلام (الكفاية)(1) أربعة وجوه لرفع الإشكال، ومن كلام الميرزا(2) خمسة، لكنّه أرجعها إلى وجهين، والوجوه هي:
1 ـ إنكار المفهوم في حال تعدّد الشرط.
2 ـ إن الشرط هو الجامع الانتزاعي وهو عنوان «أحدهما» أو «أحدها».
3 ـ تقييد كلٍّ من القضيتين والجمع بينهما بـ«الواو»، فيكون الشرط للجزاء كلا الأمرين.
4 ـ التقييد بـ«أو» بأن يكون الشرط للقصر خفاء الأذان أو خفاء الجدران.
5 ـ تقييد مفهوم كلٍّ منهما بمنطوق الآخر، بأنْ يبقى الإطلاق في المنطوقين على حاله وترفع اليد عنه في المفهومين.
أمّا أنْ يقال بتقيّد مفهوم كلٍّ من القضيّتين بمنطوق الآخر من دون تصرّف في المنطوق، بأنْ يكون كلٌّ من خفاء الجدران وخفاء الأذان موضوعاً مستقلاًّ للقصر.
ففيه: إنه سواء قلنا بتبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية أو لم نقل، فلا مناص هنا من القول بسقوط الدلالة الالتزامية بتبع المطابقية، لأن المنطوق يدلّ بالمطابقة على ثبوت الحكم وانحصاره، لكونه جملةً شرطية، والمفهوم هو لازم هذا المنطوق، فإنْ بقي على إطلاقه فالمفهوم باق، وإن سقط الإطلاق فيه سقط المفهوم لا محالة، فالقول بتقييد المفهوم مع بقاء المنطوق على حاله لا معنى له.
وأمّا أن يقال بعدم المفهوم في مثل هذه القضايا، فلا تنافي بين الدليلين.
ففيه: إنه إن كان الدليل الآخر متّصلاً بالأول فلا مفهوم، لأنّ الآخر يصلح للقرينيّة حينئذ، ولكنهما منفصلان والمفروض كون المتكلّم في مقام البيان، وأن العليّة وانحصارها تام، فالقول بعدم المفهوم يستلزم التفكيك بين المعلول والعلّة.
هذا، وقد أرجع الميرزا هذا الوجه إلى الوجه القائل بالتقييد بـ«أو» وأن الشرط أحد الأمرين، لأنه بتقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر، بأن يكون مفهوم «إذا خفي الأذان فقصر»: إذا لم يخف الأذان فلا تقصّر ـ مقيّداً بـ«إذا خفي الجدران» وبالعكس ـ يسقط كلا المفهومين كذلك، فلا فرق بين أن يقال بإنكار المفهوم أصلاً أو يقال بالتقييد بـ«أو».
وأورد عليه الأُستاذ ـ في كلتا الدورتين ـ بالفرق بين الوجهين، لأن سقوط الإطلاق بالتقييد بـ«أو» عبارة عن التصرّف في المنطوق في مقام الحجيّة، بخلاف سقوط المفهومين فإنه تصرّف في مرحلة الظهور، ووجه الفرق هو أنّ القائل بعدم المفهوم عند تعدّد الشرط ووحدة الجزاء، ينكر أصل ظهور الجملة الشرطية في الإنتفاء عند الانتفاء، لكنّ تقييد المفهوم بمنطوق الآخر فرع تماميّة الظهور، وهذا فرق علمي. وأمّا عملاً، فإنّه حيث يقيّد الإطلاق ترفع اليد عنه بقدر التقييد ويبقى الباقي على حجيّته، وأمّا بناءً على إنكار المفهوم من أصله، فلا إطلاق حتى يكون حجةً في غير مورد التقييد. فظهر الفرق بينهما علماً وعملاً.
وأمّا أن يقال: بأن الشرط هو الجامع الانتزاعي وهو عنوان أحدهما، فإنّ هذا يرجع بالنتيجة ـ كما قال الميرزا ـ إلى التقييد بـ«أو»، إذ لا فرق في النتيجة بين يجب عليك أحد الأمرين من العتق وإطعام ستين مسكيناً، وأطعم ستين مسكيناً أو أعتق رقبةً….
فيبقى وجهان… التقييد بـ«الواو» والتقييد بـ«أو».
(1) كفاية الاصول: 201.
(2) أجود التقريرات 2 / 259.