الأمر الثالث
الوجود الذي في نفسه ويمكن حمله على ماهيّته، ينقسم إلى قسمين:
الأول: وجود في نفسه ولنفسه، وهو وجود الجوهر، وللماهية التي يحمل عليها وجود كذلك.
والثاني: وجود في نفسه ولغيره، وهو وجود العرض، كوجود العلم لزيد ووجود البياض للجدار.
ثم إنَّ وجود الجوهر كزيد رافع لعدمه، أمّا وجود العلم له، فإنه رافع لعدم العلم. وأيضاً هو شأن من شئون زيد وطور من أطواره وكمالٌ له… فكان لوجود الجوهر حيثيّة واحدة، ولوجود العرض حيثيّتان… فهو وجود للغير فيكون وجوداً نعتيّاً وتعلّقياً، ولذا قالوا بتعريفه: إنه ماهية إذا وجدت في الخارج وجدت في موضوع، في مقابل الجوهر إذ قالوا: يوجد لا في موضوع.
ومحلّ الحاجة من هذا البيان هو: إن رفع العرض يكون تارةً بسلب الوجود عنه بالنحو المحمولي، واخرى بسلبه بنحو الوجود النعتي. وبعبارة اخرى: إنه يمكن رفع العرض بسلب الحيث التعلّقي والإضافي، ويمكن رفعه بسلب الحيث المحمولي بأن يقال: العلم ليس، وهذا معنى قولهم: وجود العرض ووضعه يكون بالوجود النعتي وكونه لموضوع كوجود العلم لزيد، ورفعه يكون برفع الوجود النعتي كسلب العلم عن زيد، أو المحمولي كسلب العلم ونفيه، وهذا مذهب القائلين باستصحاب العدم الأزلي. والمنكرون يقولون: رفعه ليس إلاّ برفع الوجود النعتي، مثلاً:
القرشية وصف موجود للمرأة، وهو متأخّر في الوجود عن وجودها، لأنه وصف لها وطور من أطوارها، لكنّ عدم القرشية ليس كذلك، بل قد يكون معها وقد لا يكون، فإذا اُريد رفع القرشية أمكن بأنْ نقول: المرأة غير القرشية، فكان عدم القرشية وصفاً وطوراً لها. والمنكر للإستصحاب يقول: بأنّ الرفع لا يكون إلاّ هكذا، وإنّ عدم القرشية متأخر عن المرأة لكونه وصفاً لها. لكنّ المثبت للاستصحاب يقول: بإمكان الرفع أيضاً بأن نقول: المرأة غير المتّصفة بالقرشية. فهناك مرأة وعدم الاتصاف، فيرفع الاتصاف والانتساب إلى قريش كرفع الوجود المتحقّق لماهية العلم وهو الحيثية الاولى للعرض كما تقدّم.
Menu