الأمر التاسع (في الكاشف عن الملاك)
قال في الكفاية(1): إنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب: أنْ يكون كلّ واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها مشتملةً على مناط الحكم مطلقاً حتى في حال الاجتماع.
فلو كان هناك ما دلّ على ذلك من إجماع أو غيره فلا إشكال، ولو لم يكن إلاّ إطلاق دليلي الحكمين ففيه تفصيل، وهو:
إن الإطلاق لو كان في بيان الحكم الإقتضائي، لكان دليلاً على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب. ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز ـ إلاّ إذا علم إجمالاً بكذب أحد الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين ـ وأمّا على القول بالإمتناع، فالإطلاقان متنافيان، من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الإجتماع أصلاً….
وتوضيح كلامه: إنّ الكاشف عن وجود الملاك تارةً: هو دليل خارجي من إجماع أو غيره، واخرى: لا دليل إلاّ إطلاق دليل وجوب الصّلاة وحرمة الغصب، فإنهما بإطلاقهما يشملان مورد الإجتماع ويكشفان عن وجود الملاك لهما فيه.
فإن كان الأول، فلا إشكال في ثبوت الملاك، وكون البحث من هذا الباب.
وإن كان الثاني ففيه تفصيل.
وقبل أن نبيّن ذلك، نذكر رأي المحقق الخراساني في مراتب الحكم، فإنّه يرى أن للحكم أربع مراتب:
الاولى: مرتبة المقتضي، وهي مرتبة وجود الملاك للحكم، وأنّ الحكم موجود في مرتبة ملاكه، لأنّ كلّ مقتضى فهو موجود في مرتبة المقتضي له.
الثانية: مرتبة الإنشاء، فإنّه لمّا كان الملاك موجوداً، فإنّ الحاكم ينشئ الحكم ـ على طبق الملاك ـ بالنسبة إلى موضوعه المقدَّر الوجود، فهذه مرتبة جعل الأحكام بنحو القضية الحقيقيّة.
الثالثة: مرتبة الفعليّة، أي مرتبة وجود الموضوع بجميع قيوده، فإنه حينئذ تتحقّق الفعليّة للحكم ويحصل البعث أو الزجر من قبل المولى على المكلَّف.
الرابعة: مرتبة التنجّز ووصول الحكم إلى المكلّف.
فيقول المحقق الخراساني: إنه إن كان الإطلاق في مقام بيان الحكم الإقتضائي، بأنْ كان كاشفاً عن المرتبة الاولى يعني وجود الملاك لهذا الحكم في مورد الاجتماع، فإذا كشف الإطلاق عن ذلك فلا حالة منتظرة.
وأمّا إنْ كان الإطلاق في مقام بيان وجود الحكم الفعلي، يعني وصول الحكم إلى مرتبة الفعليّة، فإنْ قلنا بجواز الاجتماع بين الأمر والنهي، فلا إشكال في استكشاف ثبوت الملاك في الحكمين، والصّلاة صحيحة، لوجود الملاك وقيام الدليل على جواز الإجتماع ـ كما هو المفروض ـ أللّهم إلاّ إذا علم بكذب أحد الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين. وإنْ قلنا بالامتناع فالإطلاقان متنافيان ـ لامتناع صدقهما معاً على المورد ـ من غير دلالة لهما على ثبوت الملاكين للحكمين، لأنّ انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضي له، كذلك يمكن أن يكون لأجل انتفاء المقتضي، فلا كاشف عن وجود الملاك حتى يكون من هذا الباب. اللّهم إلاّ أن يقال: إن مقتضى التوفيق العرفي بين الدليلين هو حملهما على الحكم الإقتضائي لو لم يكن أحدهما أظهر في الدلالة على الفعلية، وإلاّ فخصوص الظاهر منهما، فتتم الكاشفية كذلك.
كان هذا توضيح مطلب المحقق الخراساني في الأمر التاسع.
(1) كفاية الاصول: 155.