الأقوال في هذه الصورة
والحاصل: أن في حكم هذا الإضطرار خمسة أقوال، ذكرها صاحب (الكفاية) وتكلّم عليها، وأثبت مختاره في المسألة، وإليك البيان بقدر الحاجة:
القول الأول: إن خروجه من هذا المكان حرام شرعاً، لأنّه تصرف في ملك الغير.
وفيه: إنّ الكون فيه أيضاً حرام شرعاً، فلو حرم عليه الخروج، لزم حكم الشارع بالمتناقضين.
القول الثاني: إن الخروج واجب وحرام، وكلا الحكمين فعلي. أمّا وجوب الخروج، فلأنه تخلّص من الغصب، وهو واجب بنفسه أو مقدمة لواجب هو الكون في خارج ملك الغير، وأمّا حرمة الخروج، فلأنه تصرّف… وقد تقرّر أن الامتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار عقاباً وخطاباً(1).
وفيه: أن كلتا المقدّمتين غير صحيح. أمّا وجوب التخلّص من الحرام، فأوّل الكلام، لأنّ الأدلّة أفادت حرمة الغصب، أمّا وجوب تخلية المكان المغصوب فيحتاج إلى دليل، نظير شرب الخمر، فإنه حرام لا أن تركه واجب. وأمّا صحّة تكليف هذا المكلّف فكذلك، لأن الحاكم في المسألة هو العقل، وهو يرى امتناع أو قبح توجّه الخطاب إلى العاجز عن الامتثال، فمن ألقى نفسه من شاهق كيف يخاطب في حال سقوطه بالكفّ عن السّقوط وحفظ النفس وهو غير قادر؟
وعلى الجملة، فإنّ المقتضي للحكم بالوجوب هو المصلحة الملزمة، وللحكم بالحرمة هو المفسدة كذلك، فكيف يجتمعان في الشيء الواحد في الآن الواحد؟
القول الثالث: إنّ الخروج واجب بالوجوب الفعلي، وهو حرام لكن بالنهي السابق، وعليه صاحب (الفصول)(2)… والوجه في ذلك هو: إنه كان قد تعلَّق النهي ـ قبل الدخول ـ بالخروج، لأنه أحد التصرّفات المنهي عنها في مال الغير بدون إذنه، إلاّ أن هذا النهي قد سقط بعد الدخول، وهو الآن مأمور بالخروج وتخلية المكان، وهو وجوبٌ فعليّ نفسيّ أو غيري مقدمةً للكون في خارج ملك الغير.
وفيه: أمّا الوجوب النفسي، فممنوع لعدم الدليل على وجوب تخلية الغصب. وأمّا الوجوب المقدّمي، فموقوفٌ على وجوب المقدّمة شرعاً وهو أوّل الكلام، وعلى وجوب الكون في خارج ملك الغير، ولا دليل عليه كما تقدّم.
هذا بالنسبة إلى وجوب الخروج.
وأمّا ما ذكره من شمول دليل النهي عن التصرّف في مال الغير للتصرف الخروجي قبل الدخول في ملك الغير، ففيه: إنّ النهي عن الشيء لا يكون إلاّ عن مفسدة فيه غير مزاحمة بمصلحة، لكنّ مفسدة التصرّف الخروجي قبل الدخول مزاحمة بالمصلحة الملزمة المترتبة على الخروج من ملك الغير بعد الدخول فيه… وسبق النهي عن التصرف الخروجي على الأمر بالخروج من ملك الغير لا يرفع مشكلة اجتماع المتناقضين.
القول الرابع: ما اختاره الشيخ قدّس سره، من أنّ الخروج واجب بالوجوب الشرعي، والقول بكون جميع أنحاء التصرّف حراماً قبل الدخول ممنوع.
واختار الميرزا هذا القول وجعل يردّ على رأي صاحب (الكفاية) وهو:
القول الخامس: وهو أنّ الخروج منهي عنه بالنهي السابق، لكنّ هذا النهي قد سقط بحدوث الاضطرار إليه، فيكون الخروج معصيةً للنهي السّابق، لكنّه لازم بحكم العقل من باب الأخذ بأقل المحذورين… أمّا كونه معصيةً، فلأنّ الاضطرار ـ وإنْ أسقط الخطاب ـ لا يرفع استحقاق العقاب، لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً.
(1) هذا أحد الأنظار الثلاثة في المسألة، وهذا هو مبنى رأي أبي هاشم الجبائي المذكور، فيصحّ خطابه وعقابه، وقال جماعة: لا يصحّ خطابه وعقابه، وقال آخرون: لا يصح خطابه ويصح عقابه وهو الحق.
(2) الفصول الغرويّة: 137.