الأقوال الأُخرى
وقد خالف سائر الأعلام المحقق الخراساني في هذا المقام، وذهبوا إلى أنّ مدلول النهي يغاير مدلول الأمر لكنّ المتعلّق واحد، ثم اختلفوا على أقوال:
القول الأول
إن مدلول النهي هو الكراهة ومدلول الأمر هو الإرادة.
وفيه: إنّ الإرادة والكراهة هما المبدأ والعلّة للأمر والنهي، وعلّة الشيء لا تكون مدلولاً له.
القول الثاني
إنّ مدلول النهي عبارة عن حرمان المكلّف من الفعل، ومدلول الأمر عبارة عن ثبوت الشيء في ذمة المكلّف. والأساس في هذا القول هو: أن حقيقة الإنشاء عبارة عن الإعتبار والإبراز أو إبراز الاعتبار. (قال) ونظير ذلك ما ذكرناه في بحث الإنشاء والإخبار من أن العقود والإيقاعات كالبيع والإجارة والطلاق والنكاح أسام لمجموع المركب الاعتباري النفساني وإبراز ذلك في الخارج بمبرز، فلا يصدق البيع ـ مثلاً ـ على مجرّد ذلك الأمر الاعتباري أو على مجرد ذلك الإبراز الخارجي.
وذكر: أن ما ذهب إليه جماعة من المحققين من أن حقيقة النهي هو الزجر، من اشتباه المفهوم بالمصداق، لأنّ «الحرمان» المبرز مصداق «الزجر»(1).
وفيه: لا إشكال في وجود «الحرمان» في موارد «النهي»، وأنه يصحّ أن يقال بأنّ المكلّف قد حُرم من الفعل الكذائي، لكنّ محطّ البحث هو تعيين مفاد النهي مجرّداً عن لوازمه، فنحن نعلم بأن لازم طلوع الشمس هو وجود النهار، لكنّه خارج عن مدلول لفظ الشمس… وعليه، فإن وجود الحرمان ـ عقلاءً ـ في مورد النهي شيء وكونه مدلول النهي شيء آخر، وكذلك الكلام في طرف الأمر، فثبوت الشيء في الذمّة لا ينكر، لكنّ كونه هو المدلول أوّل الكلام.
هذا، ولو لم يكن لهيئة «لا تفعل» مدلول إلاّ «الحرمان» الاعتباري، كان اللاّزم أن ينسبق إلى الذهن منها عين ما ينسبق من مادّة «الحرمان»، والحال أنه ليس كذلك كما هو واضح، بل لا توجد بينهما المساوقة الموجودة بين لفظ «من» و«الابتداء» ونحوهما.
فظهر أن ما ذهب إليه المحقق الخوئي خلطٌ بين المعنى ولازم المعنى.
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3 / 276.