استثناء مجمع الحكمين
ثم إنّه قد استثنى من هذه القاعدة ما إذا كانت النّسبة العموم من وجه، كما لو قال: أكرم عالماً. وقال: أكرم هاشمياً، حيث الحكم هو وجوب الإكرام والموضوع في الدليلين بنحو الإطلاق البدلي، ففي هذا المورد قالوا بالتداخل أي بكفاية إكرام المجمع وهو العالم الهاشمي. واختلفوا في وجه الإستثناء:
فمنهم: من استدلّ له بحكم العقل بالإجزاء، فيكون من مصاديق قولهم: الإنطباق قهري والإجزاء عقلي… فهما حكمان لكنهما انطبقا على مورد انطباقاً قهرياً، وفي مثله يحكم العقل بالاجزاء… قال به الميرزا(1).
ومنهم: من يقول بأن الحكم في مثل هذا المورد واحد لا أكثر، غير أن الخطاب الثاني موكّد للأوّل. قال به صاحب (الكفاية)(2).
واستدلّ للأول بوجهين:
الأول: إن الإطلاق على قسمين، فتارةً: هو شمولي مثل أكرم العالم، أكرم الهاشمي، ففي مثله يحمل على التأكيد، لئلاّ يلزم اجتماع المثلين، وكذا في العام مثل: أكرم كلّ عالم وأكرم كلّ هاشمي.
واخرى: هو بدلي، فإنْ كان كذلك، تعدَّد الموضوع وبتبعه يتعدّد الحكم، ومع التعدّد لا معنى للحمل على التأكيد، لكنّ العقل لمّا رأى انطباق كلا الحكمين على المورد الواحد وأنه مصداق لكلا الموضوعين، حكم بكفاية الإكرام مرّةً، لحصول الامتثال لكلا الحكمين به.
وهذا الوجه لأجود التقريرات، قال مشيراً إلى نظر الكفاية ما نصّه: لا معنى لتأكّد الطلب في مورد الإجتماع أصلاً، لأن متعلّق الطلب في العموم البدلي إنما هي نفس الطبيعة الملغاة عنها الخصوصيات، فالفرد المأتي به ليس بخصوصه متعلّقاً للأمر ليتأكّد طلبه عند تعلّق الأمرين به، وإنما يجوز الإتيان في مقام امتثال الأمر بالطبيعة، لأنه مقتضى الترخيص في التطبيق المستفاد من الإطلاق.
والوجه الثاني هو للمحقق الخوئي، فقد قال في الهامش: هذا، مضافاً إلى أن الالتزام بتأكد الحكم في مورد الاجتماع يستلزم الالتزام بكون الحكم المجعول في مورد العامّين من وجه ثلاثة أحكام، يكون واحد منها متأكداً والاثنان منها غير متأكدين، مع أنه واضح البطلان.
وتوضيحه: إنه لما كانت النسبة العموم من وجه، فلا محالة يكون الحكم في كلٍّ من موردي الافتراق غير الحكم في الآخر، فهنا حكمان. فإن قلنا بالحكم الواحد المؤكّد في مورد الاجتماع لزم الالتزام بحكم ثالث… لكنه واضح البطلان. إذن، لا يوجد حكم واحد مؤكّد، بل هما حكمان، لكن العقل يرى حصول الامتثال بالمجمع بين العنوانين.
(1) أجود التقريرات 2 / 273.
(2) كفاية الاصول: 203.