إشكال الميرزا
فأشكل عليه الميرزا قائلاً: إن الفعل والترك إذا كان كلّ منهما مشتملاً على مقدار من المصلحة، فبما أنه يستحيل تعلّق الأمر بكلٍّ من النقيضين في زمان واحد، يكون المؤثّر في نظر الآمر احدى المصلحتين على تقدير كونها أقوى من الاخرى، ويسقط كلتاهما عن التأثير على تقدير التساوي، لاستحالة تعلّق الطلب التخييري بالنقيضين، لأنه من طلب الحاصل، وعليه، يستحيل كون كل من الفعل والترك مطلوباً بالفعل.
وبالجملة، اشتمال كلّ من الفعل والترك على المصلحة، يوجب تزاحم الملاكين في تأثيرها في جعل الحكم على طبق كلٍّ منهما، لاستحالة تأثيرهما في زمان واحد في طلب النقيضين تعييناً أو تخييراً، وعليه يتفرّع وقوع التزاحم في التأثير فيما كان كلّ من الضدين اللذين لا ثالث لهما مشتملاً على المصلحة أو المفسدة الداعية إلى جعل الحكم على طبقها، وفيما إذا كان أحد المتلازمين دائماً مشتملاً على مصلحة والآخر مشتملاً على مفسدة، فإنه في جميع ذلك يستحيل جعل الحكم على طبق كلٍّ من الملاكين تعييناً أو تخييراً، لرجوعه إلى طلب النقيضين المفروض استحالته، فلابدّ من جعل الحكم على طبق أحد الملاكين إنْ كان أحدهما أقوى من الآخر، وإلاّ فلا يؤثّر شيء منهما في حمل الحكم على طبقه(1).
وحاصل كلامه: إنه لا يعقل التزاحم، لأنه إن كان في مرحلة الامتثال ـ الراجع إلى عدم قدرة المكلّف على امتثال كلا التكليفين ـ فالفعل والترك متناقضان، فجعل الاستحباب لكليهما تعييناً طلب للنقيضين، وتخييراً تحصيل للحاصل. وإن كان في مرحلة الجعل، فإنه يقع الكسر والانكسار بين الملاكين ويصدر الحكم طبق الملاك الغالب منهما، فإنْ لم يكن فالإباحة… فأين التزاحم بين استحباب الفعل واستحباب الترك؟
(1) أجود التقريرات 2 / 173.