إشكال الإصفهاني و جوابه
وأشكل المحقق الإصفهاني(1) على ما ذكره صاحب (الكفاية) في الجهة الاولى ـ من استحالة التكليف بمعنى البعث الفعلي بالنسبة إلى المعدوم، وأمّا الطلب الإنشائي منه فمعقول ـ بأنّه يناقض ما ذهب إليه من إمكان الواجب المعلّق، حيث أنّ الإرادة والطلب والبعث فعلي، والمراد والمطلوب المبعوث إليه استقبالي ومعدوم، فإذا كان تكليف المعدوم ـ والمراد منه العمل ـ محالاً، فكذلك يكون البعث نحو العمل المعدوم محالاً ولا يعقل الواجب المعلَّق، وإنْ جاز تعلّق البعث بالفعل المراد المعدوم فعلاً، فليجز تعلّقه بالمكلّف المعدوم فعلاً كذلك، لعدم الفرق….
والجواب
فأجاب الأُستاذ: بأنْ مقتضى الدقّة في كلام (الكفاية) في بحث الواجب المعلّق هو ورود الإشكال عليه بالنظر إلى احدى بياناته فقط، وذلك أنّه قد قرَّب قوله بإمكان الواجب المعلَّق تارةً: بأنّ الإرادة محقّقةٌ الآن والمراد معدوم، وأثر هذه الإرادة هو الإنبعاث نحو مقدّمات المراد. فعلى هذا البيان لا يرد الإشكال، لخروج هذه الإرادة عن اللّغويّة بتأثيرها بالنسبة إلى مقدّمات متعلّق الإرادة. واخرى: إنّ البعث دائماً مقدَّم على الإنبعاث، فلو لا وجود البعث حتى يتصوَّره المكلّف ويصدّق به، لا يتحقق الانبعاث منه، وإذا ثبت هذا التقدّم، فإنّه لا يفرَّق في القضيّة العقلية بين قصر الزمان وطوله للبعث والانبعاث، وهذا المعنى إنّما يصدق في المراد المعدوم كالحج، دون المراد منه المعدوم وهو المكلّف. فظهر الفرق بين ما نحن فيه ومسألة الواجب المعلّق.
فعلى هذين البيانين لا مجال للإشكال المزبور.
نعم، يرد بالنظر إلى ظاهر بيان ثالث له وهو: إنّ المراد من الإرادة هو الشوق البالغ حدّ النصاب وإنْ لم تكن هناك محركيّة للعبد، فلا تكون المحركيّة الفعلية معتبرة. فيرد عليه النقض من الإصفهاني: بأنّ هذه المرتبة من الشوق كما يمكن تعلّقها بالموجود الاستقبالي في الواجب المعلَّق، كذلك يمكن تعلّقها بالمكلّف الذي يوجد في المستقبل. فكما يتعلّق بالمراد المعدوم كذلك يتعلّق بالمراد منه المعدوم.
ومع ذلك يمكن دفع الإشكال: بأنّ البعث عند صاحب (الكفاية) إنما هو لإحداث الداعي للامتثال، وإحداث الدّاعي بالنسبة إلى فعل معدوم فعلاً معقول، بخلاف إحداثه في نفس الشخص المعدوم فعلاً.
وتلخّص: تماميّة الوجه المذكور في (الكفاية) لشمول الخطابات لغير المشافهين.
(1) نهاية الدراية 2 / 470.