إشكال الأُستاذ
وقد أشكل عليه الأُستاذ بوجهين: الأول: إنّ بقاء واستمرار الحكم ليس من متفرّعات الحكم بل من خصوصيّات وجوده، فالحكم إمّا موجودٌ وإمّا زائل، لا أنّه موجود فهو مستمرٌ وباق. والثاني: إنّه لو لم يكن دليل الحكم متكفّلاً البقاء والاستمرار له للزم الإهمال المحال… لأنّ الحاكم عندما يجعل الحكم، فإمّا يجعله على وجه البقاء والاستمرار وإمّا يجعله لا على هذا الوجه، وأمّا أنْ لا يدري أن حكمه على أيّ وجه فهذا محال… هذا، ومقتضى الإطلاق في الجعل أنْ يكون على وجه الإستمرار والبقاء إلى أن يقوم الدليل على الإنتفاء والزوال… وإذا كان كذلك، فالإطلاق هو المقتضي للبقاء، وهو أصلٌ لفظي ـ ولا تصل النوبة إلى التمسّك بالإستصحاب ـ لكن الأصل اللّفظي في البقاء مقدّم على أصالة العموم، لندرة النسخ وشيوع التخصيص، فيتقدم الأصل اللّفظي الإطلاقي على الأصل اللّفظي الوضعي. وهذا ما أشار إليه المحقق الخراساني في كلامه.
الثاني: إن الشك في بقاء حكم الخاص المتقدّم، مسبّب عن الشكّ في عموم العام المتأخّر، وبجريان أصالة العموم في العام يرتفع الشك في بقاء حكم الخاص ولا يحكم باستمراره، بل هو منقطع بالعام.
إشكال الأُستاذ
إنه كما يكون ملاك السببيّة والمسببيّة في الامور التكوينية هو العليّة والمعلوليّة، فإنّه في الامور التشريعية هو الموضوعية والحكميّة، بأنْ يكون الأصل في الموضوع سببيّاً وفي الحكم مسببّياً، وليس بين العام والخاص هذه النسبة، بل هما دليلان مستقلاّن، يقول أحدهما بوجوب إكرام كلّ عالم، والآخر يقول بحرمة إكرام الفسّاق من العلماء، فذاك عام وهذا مطلق مقيَّد بزمان من الأزمنة، ولابدَّ من رفع اليد عن أحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما… فلا سببيّة ومسببيّة أصلاً… بل مقتضى القاعدة ـ كما في (الكفاية) ـ تقديم دليل الخاص، والنتيجة هي التخصيص لما ذكره.
أللهم إلاّ أنْ يشكل عليه: بأنّ ندرة النسخ غير كافية للترجيح، لأنّ غاية الأمر ـ بناءً على أنّ الشيء يلحق بالأعم الأغلب ـ هو الظن بتعيّن التخصيص، ولا دليل على اعتبار هذا الظن.
كما أنّ جعل ندرة النسخ وشيوع التخصيص قرينةً عرفيّة لتقدّم التخصيص ـ كما أفاد في (الكفاية) ـ غير تام، لعدم عرفيّة هذه القرينيّة.
ويبقى الوجه الذي اعتمده المحقّق الإصفهاني لتقديم الخاص، وقد أوردناه سابقاً، وأمّا النسخ فلا يثبت إلاّ بالخبر المتواتر، وكلامنا في خبر الواحد، فيتعيّن التخصيص.
بل بناءً على عدم ثبوت النسخ بخبر الواحد، ينتفي موضوع البحث رأساً، لأنه حينئذ لا يقع الدوران بين النسخ والتخصيص حتى نبحث عن وجه التقديم.
وفي (المحاضرات)(1): التفريق بين نظر العرف ونظر الشرع، بأنّ أهل العرف يرون العام المتأخّر ناسخاً، أمّا في الشّرع، فإنّ الخاص يتقدَّم ويكون بياناً للحكم من الأوّل.
وأورد عليه الأُستاذ: بأنّ كون العام ناسخاً يتوقّف على عدم القرينيّة العرفيّة للخاص بالنسبة إلى العام، والسيّد الخوئي من القائلين بالقرينيّة كما في كتاب (المحاضرات) نفسه.
وهذا تمام الكلام في المقام الأول.
(1) محاضرات في اصول الفقه 4 / 490.