إشكال الأُستاذ
وناقشه الأُستاذ: بأنّه لولا وجود الحزازة أو النقص في العبادة لما تعلَّق بها النهي، فصلاة الحائض فيها نقص وإلاّ فلماذا النهي؟ ومع الحزازة والنقص كيف تكون واجدةً لملاك صلاة غير الحائض؟ فدعوى موافقة المأتي به للمأمور به غير واضحة… هذا في المسألة الاصولية.
وأمّا ما ذكره في المسألة الفرعية، فصحيح بناءً على كونها عقليّة، لأنّه مع احتمال المبغوضية يشكُ في المقربيّة، والنتيجة هي الفساد. وأمّا بناءً على كونها لفظيّة، فما ذكره هو ـ وغيره من الأعلام ـ مخدوش، لأن أركان الإستصحاب مع الشك في ظهور النهي في المانعية تامّة، لأن ظهور الألفاظ في معانيها من الامور الحادثة المسبوقة بالعدم، أمّا العدم الأزلي فواضح، وأمّا النعتي، فلأنّ ظهور اللفظ في المعنى ليس ممّا لا ينفك عن المعنى بل هو وصف متأخر عن وجود اللفظ، فالأركان تامة. ويبقى الكلام في أثر هذا الإستصحاب، فقد تقرّر عندهم أن المستصحب إمّا يكون حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي، لكنّ التحقيق عدم انحصار الأثر في ذلك، فقد يكون الإستصحاب مثبتاً للحكم الشرعي أو موضوعه أؤ يكون نافياً له، والحكم الشرعي الذي يجري فيه الاستصحاب أعم من الفرعي كالوجوب والحرمة والاصولي كالحجيّة، وفيما نحن فيه: الظهور موضوع للحجيّة الشرعية، فيجري الاستصحاب فيه لإثبات هذا الأثر أو نفيه.
لكنْ يبقى إشكال آخر وهو لغويّة هذا الإستصحاب، لأن مجرّد الشك في الظهور كاف لعدمه، وإذ لا ظهور فلا حجيّة.
ويمكن الجواب عنه: بأنْ فائدة هذا الإستصحاب هو نفي الملازمة العقلية بين النهي والفساد، وعلى الجملة، فإن أثر هذا الإستصحاب هو رفع موضوع الأصل العقلي، لأنّ كلّ أصل عقليّ فإن جريانه معلّق على عدم وجود تعبّد شرعي في موضوعه نفياً أو إثباتاً.
وأمّا التمسّك بالأصل لرفع المانعية، فإن كان المقصود التمسك بالبراءة ففيه: إنها إنما تجري في موارد الشك في المانعية، حيث يكون الأقل متيقّناً ويشك في اعتبار شيء زائداً عليه، كما في الشك في أجزاء الصلاة مثلاً، وأمّا النهي في العبادة الذي هو إرشادٌ إلى المانعيّة فلا يبقى معه أمرٌ بها، فكيف تجري البراءة؟ وإنْ كان المقصود هو التمسّك بالأصل اللفظي ـ كما هو ظاهر كلامه ـ ففيه: إنّه ليس هنا إلاّ الإطلاق، والتمسك به على مبنى المحقق الخراساني غير تام، لأنه يرى التضادّ بين الأحكام أنفسها، وأمّا على مبنى المحقق الإصفهاني ـ وهو التضاد بينها في المبدء والمنتهى ـ فلا ريب في وقوعه في المنتهى وهو مرحلة الامتثال، لأنّ النهي يقتضي انزجار المكلّف والأمر يقتضي انبعاثه، وكون المكلّف منزجراً ومنبعثاً محال، فشمول إطلاق الأمر لمثل المقام محال. هذا أوّلاً.
وثانياً: إنه إن كان النهي إرشاداً إلى المانعيّة، كان الحاصل تقيّد الأمر بالصّلاة بعدم الحيض مثلاً، وإن لم يكن فالإطلاق على حاله، ومع الشك في كونه إرشاداً يتحقّق الشك في وجود الأمر بها ـ والمفروض وجود النهي، وإذا احتمل الأمر احتمل اجتماع الضدّين، واجتماعهما احتمالاً محال كاجتماعهما واقعاً، فسقط التمسك بالإطلاق.