نظريّة المحقّق العراقي
وقال المحقق العراقي قدّس سرّه: إن الطلب على كلّ تقدير يحتاج إلى متعلّق، وهو مورد النزاع.
والطبيعة تلحظ: تارةً بما هي هي، ففي الانسان ـ مثلاً ـ لا يلحظ إلاّ الحيوان والناطق. وأُخرى: تلحظ موجودةً بالوجود الذهني كقولنا: الإنسان نوع. وثالثةً: تلحظ بما هي خارجيّة.
فيقول: إن متعلّق الطلب في الأمر هو العنوان، لكن العنوان المرئيّ خارجاً، وكذلك الصفات النفسانيّة كالحبّ والشوق والإرادة، فإنها تتعلّق بالعناوين الفانية في المعنونات. فمراد القائلين بتعلّق الأمر بالفرد هو أن المتعلّق نفس المعنون الموجود في الخارج، ومراد القائلين بتعلّقه بالطبيعة أن المتعلّق هو العنوان ـ لا المقيّد بالوجود الذهني، لأنه لا يقبل الوجود في الخارج، ولا بما هو هو، لأنه ليس بحامل للغرض كي يتعلّق به الغرض والأمر، ولا الموجود في الخارج، لأنه فرد وهو منشأ لانتزاع عنوان الطبيعة، ـ أي العنوان المتّحد مع الخارج، كالإنسان المتحد مع زيد… فظهر الاختلاف بين القولين… فالقول الأول: هو تعلّق الأوامر بالأفراد الموجودة خارجاً، كزيد المعنون بعنوان الإنسان. والقول الثاني: هو تعلّقها بالعناوين كعنوان الإنسان الملحوظ فانياً في زيد.
قال: نظير الحال في الجهل المركب، حيث توجد الإرادة عند الجاهل كذلك، لكنّ متعلّق الإرادة عنده هو العنوان والصورة الفانية في الخارج في ذهنه، لا الخارج، لأن الخارج ظرف سقوط الأمر، فلا يكون متعلّقاً للطلب والإرادة التي هي صفة نفسانية.
ثم أورد على الكفاية قوله: بأن متعلّق الطلب هو إيجاد الطبيعة فقال: إن متعلّق الطلب متقدّم على الطلب تقدّماً طبعيّاً، فلا يعقل وجود الطلب بلا متعلّق، وإن أمكن وجود المتعلّق بلا طلب، كأن يتعلّق الطلب بالأكل، فإنه بدون الأكل محال، لكن قد يوجب الأكل بلا طلب، فلا ريب في تقدّم متعلّق الطلب على الطلب تقدّم الواحد على الاثنين، إذ لا يعقل وجود الاثنين بدون الواحد، لكن يمكن وجوده بدون الاثنين… هذا أوّلاً.
وثانياً: إن إيجاد الطبيعة معلولٌ للطلب فيكون متأخّراً عنه رتبةً، فلو كان هو المتعلّق كان متقدّماً رتبةً على الطّلب، فيلزم تقدّم المتأخّر، وهو محال.
وأورد عليه أيضاً قوله: بكون المتعلّق هو الوجود السعي للطبيعة: بأنّ هذا غير ممكن، لأنه قد تؤخذ مادة الوجود في الأمر، فيلزم حضور الوجود في الذهن قبل الأمر بمرتبتين، كما لو قال ـ بدل: « صل » ـ أوجد الصّلاة، وهذا ضروري البطلان.
وتلخّص: إنه ليس متعلّق الإرادة هو الخارج، إذ الخارج ظرف سقوط الطلب والارادة، وليس الوجود الذهني، بل إن الحامل للمصلحة والغرض هو الوجود الخارجي ومتعلّق الطلب هو الوجود الزعمي، كما ذكر، أي الوجود المرئي خارجاً، فلمّا يقول: « جئني بماء » يتصوّر الماء خارجاً، أمّا لدى التّصديق فالصّورة غير خارجيّة وإنما هي مرئيّة خارجاً، فالصّورة في النظر التصوّري خارجيّة وفي النظر التّصديقي غير خارجيّة، لأن الخارج ظرف للسقوط، فهي غير منعزلة عن الخارج، كما أن الماهيّة غير منعزلة عن الوجود، لكنّ التحليل العقلي يعزل الماهيّة عن الوجود، فالصّور كذلك، هي بالتحليل العقلي منعزلة عن الخارج، لكنّ الصورة متّحدة مع الخارج، فيكون الخارج هو الحامل للغرض، ولكن الصّورة هي متعلّق الطلب(1).
(1) نهاية الأفكار (1 ـ 2) 383 ط جامعة المدرسين.