مناقشة الدليل الثالث
وأقام الميرزا دليلاً ثالثاً على امتناع مقدميّة الضدّ للضدّ الآخر، وهو يبتني على أُمور:
الأوّل: إنّ الضدّين في مرتبة واحدة، إذ لا عليّة ومعلوليّة بينهما ولا شرطية ومشروطيّة، حتى يختلفا في المرتبة.
والثاني: إن نقيض الشيء في مرتبة الشيء، لأنّ نقيض الوجود هو عدم ذاك الوجود لا مطلق العدم.
والثالث: إنّ النقيضين والضدّين لمّا كانا في رتبة واحدة، كان العدم المتّحد رتبةً مع وجود الضدّ، متّحداً رتبةً مع وجود الضدّ الآخر، فهذا العدم في رتبة ذلك الضدّ وعدم ذاك الضدّ في رتبة هذا الضد.
ونتيجة ذلك: استحالة مقدميّة عدم الضدّ لوجود الآخر، لتوقّف ذلك على الاختلاف في المرتبة، وقد تبيّن عدمه.
قال الأُستاذ دام ظله: وفي هذه الأُمور نظر:
أمّا الأمر الأوّل، فدعوى بلا دليل.
تارةً نقول: الضدّان في مرتبة واحدة، وأُخرى نقول: ليس بين الضدّين اختلاف في المرتبة. وكلّ واحد من القولين دعوى تحتاج إلى إثبات.
إنّ ملاك الإتحاد في المرتبة هو كون الشيئين معلولين لعلّة واحدة، والضدّان ليسا كذلك، بل لكلّ علّته. وملاك الاختلاف في المرتبة كون أحدهما علّةً أو شرطاً للآخر، والضدّان ليس بينهما نسبة العليّة أو الشرطيّة. فالقدر المسلّم هو عدم وجود الاختلاف في المرتبة بين الضدّين، لكنّ هذا لا يكفي لاتّحاد المرتبة بينهما، لأنّ الاتّحاد يحتاج إلى ملاك.
فدعوى أنّ الضدّين في مرتبة واحدة أوّل الكلام.
وأمّا الأمر الثاني، فكذلك، لأنّ التناقض هو بين الوجود والعدم، فالعدم يرتفع بالوجود ويكون الوجود مرفوعاً به، والوجود يرتفع بالعدم، فيكون العدم رافعاً، فالنقيض هو الرافع أو المرفوع به… وعليه، فإنّ النقيض للوجود رفع الوجود لا الرفع الواقع في مرتبة الوجود، ولو كان كذلك لاعتبر وحدة المرتبة من شرائط التناقض وليس كذلك، على أنّ المرتبة من خواص الوجود ومن آثار العليّة والمعلوليّة، والعدم ليس ذا مرتبة أصلاً.
والحاصل: إنّ دعوى وحدة المرتبة بين النقيضين غير صحيحة.
وأمّا الأمر الثالث، فكذلك… لأنّا لو سلّمنا كون الضدّين في مرتبة واحدة، وكذا النقيضان، لكنّ كون نقيض هذا الضدّ متّحداً في المرتبة مع وجود الضدّ الآخر يحتاج إلى دليل… إذ لا يكفي أن يقال: لمّا كان الضدّان في مرتبة، وعدم كلّ ضد في مرتبته، فعدم هذا الضدّ في مرتبة وجود ذاك… لأنّ المفروض وجود الملاك لكون الضدّين في مرتبة واحدة وكذا النقيضان، أمّا ضرورة كون نقيض أحدهما في رتبة وجود الآخر فبأيّ ملاك ؟
وتلخّص: إنّ الأُمور التي ذكرها مقدّمةً لدليله كلّها دعاوى بلا برهان.
Menu