مناقشة الأُستاذ
وأورد عليه الأُستاذ: بأنّ الوجوب إن كان من الأُمور الاعتباريّة، فالمراد أنّ المعتبر في الوجوب هو المرتبة الأكيدة من الطلب، كما أنّ المعتبر في الاستحباب هو المرتبة الضعيفة منه، فالشدّة والضعف يرجعان إلى المعتبر لا الاعتبار حتّى يقال بأنّه لا حركة في الاعتباريات. وإن كان هو الإرادة والكيف النفساني، فالشدّة والضعف في الإرادة واختلاف المرتبة فيها أمر واضح… فاعتراضه على صاحب ( الكفاية ) غير وجيه.
وأمّا دعواه: بأنّ الاختلاف بين الوجوب والاستحباب ناشئ من اختلاف الغرض منهما لا من اختلاف المرتبة في الإرادة، فمندفعة: بأنّه يستحيل تخلّف الإرادة عن الغرض، سواء في أصله وفي مرتبته، إذ النسبة بينهما نسبة المعلول إلى العلّة، وعلى هذا، فإذا كان الغرض في الواجب آكد كانت الإرادة فيه كذلك لا محالة، فقوله: بأنّ الاختلاف بين الاستحباب والوجوب هو بالغرض لا باختلاف المرتبة في الإرادة، مردود. اللّهمّ إلاّ بأن يقال بعدم تبعيّة الإرادات للأغراض، أو يقال بتبعيّتها لها في الأصل دون المرتبة، وكلاهما باطل.
التحقيق في حقيقة الوجوب
ثمّ قال الأُستاذ: لكنّ التحقيق في حقيقة الوجوب والاستحباب هو عدم كونهما مرتبة من الإرادة، بل هما عنوانان اعتباريان انتزاعيّان، فصحيح أنّه يوجد في الوجوب شوق أكيد، إلاّ أنّه ليس الوجوب، وإنّما ينتزع عرفاً منه الوجوب، وفي الإستحباب يوجد الشوق الضّعيف، لكنّه المنشأ لانتزاع العرف الإستحباب، وكذا الحال في الحرمة والكراهة، ففي الحرمة مثلاً توجد المبغوضيّة الشديدة وليست هي الحرمة، بل إنّها منتزعة منها عرفاً.
فما ذهبوا إليه من أنّ الوجوب هو المرتبة الأكيدة من الإرادة، غير صحيح، ويؤكّد ذلك أنّه لو كان كذلك لجاز حمل الوجوب على الإرادة، وهو غير جائز كما هو واضح.
Menu