مختار الميرزا في المقام
وتعرّض الميرزا للآراء في المقام، ففصّل في القول بالعينيّة، وردّ على القول بالدلالة التضمّنيّة، ولم يستبعد القول بالدلالة بالالتزام بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص، ثمّ نصّ على أنّها باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ ممّا لا إشكال فيه ولا كلام.
أمّا التفصيل في العينيّة فقد قال: ربّما يدّعى أن الأمر بالشيء عين النهي عن ضدّه، بتقريب: إنّ عدم العدم وإنْ كان مغايراً للوجود مفهوماً إلاّ أنّه عينه خارجاً، لأن نقيض العدم هو الوجود، وعدم العدم عنوان ومرآة له، لا أنّه أمر يلازمه، فطلب ترك الترك عين طلب الفعل، والفرق بينهما إنّما هو بحسب المفهوم فقط.
قال: وفيه إنّ محلّ الكلام هو أنّه إذا تعلّق الأمر بشيء فهل هو بعينه نهي عن الترك أو لا، لا أنّه إذا كان هناك أمر بالفعل ونهي عن الترك فهل هما متّحدان أو لا ؟ والدليل إنّما يثبت الاتّحاد في الفرض الثاني لا الأوّل، بداهة أنّ الآمر بالشيء ربّما يغفل عن ترك تركه فضلاً عن أن يأمر به، فلا يبقى لدعوى الاتّحاد فيما هو محلّ الكلام مجال أصلاً.
وأمّا القول بالدّلالة التضمّنيّة، فقد ردّ عليه ببساطة الوجوب وعدم تركّبه.
وأمّا القول بالدلالة الالتزاميّة، فذكر أنّها بنحو اللزوم البيّن بالمعنى الأخص، بأنْ يكون نفس تصوّر الوجوب كافياً في تصوّر المنع عن الترك، ليست ببعيدة، وعلى تقدير التنزّل عنها فالدلالة الالتزاميّة باللزوم البيّن بالمعنى الأعمّ ممّا لا إشكال فيه ولا كلام(1).
النظر فيه
وقد أشكل عليه: بأنّ عدم استبعاد الدلالة بنحو اللّزوم البيّن بالمعنى الأخصّ، والقول بأنّ الآمر قد يغفل عن ترك ترك أمره فضلاً عن أن يأمر به، تناقض، لأنّه لو كانت الدلالة كذلك لم يتصوّر غفلة الآمر.
قال الأُستاذ:
وعمدة الإشكال هو التفصيل في العينيّة، بأنْ وافق عليها إن وجد أمر بالفعل ونهي عن الترك وإلاّ فالملازمة، وذلك: لأنّه إن كان ترك الترك عين الفعل وطلبه عين طلبه فهو كذلك دائماً، وإن كان ملازماً له فهو دائماً كذلك، إذ حقيقة المعنى الواحد ـ وهو ترك الترك ـ لا تختلف، ولا يعقل أن يكون المعنى الواحد عين المعنى الآخر في تقدير وملازماً له في تقدير آخر.
(1) أجود التقريرات 2 / 6 ـ 7.