مختار السيد الخوئي و الشيخ الأُستاذ:
وذهب السيّد الخوئي إلى عدم الإقتضاء، وهو مختار الشيخ الأُستاذ، وإنْ خالفه في بعض كلماته في ردّ العينيّة.
قال الأُستاذ بالنسبة إلى نظرية العينيّة: أمّا بناءً على أنّ الأمر هو الإرادة المبرزة والنهي هو الكراهة المبرزة، كما عليه المحقّق العراقي، فبطلان العينيّة واضح، إذ الإرادة لا تكون عين الكراهة. وكذا بناءً على أنّ الأمر هو البعث والنهي هو الزجر، إذ الاتّحاد بينهما غير معقول.
وأمّا أن يكون طلب الفعل عين طلب ترك الترك، فالتحقيق: أنّ ترك الترك من المفاهيم التي يصنعها الذهن وليس لها ما بأزاء في الخارج ولا منشأ انتزاع، فقول المحقّق الخوئي: بأنّه عنوان انتزاعي منطبق على الوجود، غير صحيح، لأنّ الصدق دائماً يكون في عالم الخارج، ومن هنا قسّموا الحمل إلى الأوّلي المفهومي وإلى الشائع بلحاظ الوجود، فترك الترك لا مصداقيّة له، ولو قال بأنّ مصداقه الوجود، فمن المحال كون المعنى الوجودي مصداقاً للمعنى العدمي، ودعوى انتزاعيّته أيضاً باطلة، لأنّ الانتزاع بلا منشأ له محال، بل لابدّ للأمر الانتزاعي من منشأ للانتزاع يكون متّحداً معه وجوداً، كما في الفوقيّة والسقف، وقد تقدّم أنّ ترك الترك لا حظّ له من الوجود الخارجي، بل إنّه من صنع الذهن فقط… والعجب أنّه قد أشار إلى هذا المعنى في كلماته حيث قال: « وليس له واقع في قبالهما وإلاّ لأمكن أن يكون في الواقع أعدام غير متناهية، فإنّ لكلّ شيء عدماً ولعدمه عدم وهكذا إلى أن يذهب إلى ما لا نهاية له ».
فظهر: أن ترك الترك ليس إلاّ من صنع الذهن، فما ذهب إليه الميرزا والسيد الخوئي غير تام، وكذا كلام الكفاية من أنّ بينهما اتّحاداً مصداقيّاً.
وأمّا قول ( المحاضرات ) بعد ما تقدّم: « فالقول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه في قوّة القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي الأمر بذلك الشيء، وهو قول لا معنى له أصلاً » ففيه: إنّه لا يكون كذلك، لأنّهما ـ وإن اتّحدا مصداقاً ـ مختلفان مفهوماً، والقائل بالعينيّة لا يدّعي العينيّة المفهوميّة، والسيد الخوئي أيضاً يرى تعدّد المفهوم، فلا معنى لكلامه المذكور.
هذا كلّه بالنسبة إلى العينيّة.
وأمّا القول بالدّلالة التضمّنيّة، فبطلانه واضح، لكون الوجوب أمراً بسيطاً على جميع المباني في حقيقة الأمر.
وأمّا القول بالدلالة الإلتزاميّة، بأن يكون الأمر بالشيء دالاًّ على النهي عن تركه بالالتزام، فإنّ اللزوم ـ سواء أُريد منه اللّزوم بنحو البيّن بالمعنى الأخصّ، وهو ما لا ينفك تصوّر أحد المتلازمين عن تصوّر الآخر، كتصوّر العمى الذي لا ينفك عن تصوّر البصر، وكذا نحوهما من الملكة وعدمها، أو بنحو اللّزوم بالمعنى الأعمّ، وهو ما إذا تصوّر الإنسان كليهما أذعن بالملازمة بينهما ـ لا ينطبق على شيء من الأقوال في حقيقة الأمر والنهي، وهي: القول بأنّهما الإرادة والكراهة، والقول بأنّهما البعث والزجر، والقول بأنّهما طلب الفعل وطلب الترك، والقول باعتبار اللاّبدّية واعتبار الحرمان.
نعم، هناك تلازم بين الحبّ والبغض، بمعنى أنّه لو أراد شيئاً كره وأبغض تركه، وهذا اللّزوم هو بنحو اللّزوم البيّن بالمعنى الأعمّ، إلاّ أنّه لا ربط له بالملازمة بين الأمر والنهي، إلاّ أن يقال بأنّ حقيقة الأمر بالشيء إرادته بالشوق البالغ حدّ النصاب، وحقيقة النهي كراهيّة الشيء مع البغض الشديد له البالغ حدّ النصاب، سواء أبرز أو لا، لكنْ لا قائل بهذا، لأنّ القائلين بأنّ حقيقة الأمر والنهي هي الإرادة والكراهة يقولون باعتبار إبرازهما.
وتحصّل: أنّ الدلالة الالتزاميّة ساقطة، كسقوط التضمّنيّة والعينيّة، وأنّ القول بدلالة الأمر على النهي عن ضدّه العام باطل على جميع الوجوه.
Menu