كلام المحقّق الاصفهاني في توجيه مراد الشيخ
وقد تصدّى المحقّق الاصفهاني(1) لتوجيه كلام الشيخ بما تقريبه:
1 ـ إنّ الأحكام العقليّة منها نظريّة ومنها عمليّة، فمن أحكام العقل النظري: استحالة اجتماع النقيضين وارتفاعهما، بل هذا هو أُمّ القضايا فيها. ومن أحكام العقل العملي: حسن العدل وقبح الظلم، بل هذا هو أُمّ القضايا فيها.
أمّا الأحكام الشرعيّة، فإنّ الغايات منها ـ وهي متأخّرة وجوداً ومتقدّمة في اللّحاظ ـ هي العلل لجعل تلك الأحكام، فالحكم يتوجّه إلى ذات العمل وليس في متعلّقه قيد « كونه ذا مصلحة » بل إنّ كونه كذلك علّة للحكم، فالمصلحة المترتّبة على العمل خارجاً متأخّرة عن العمل، لكنّها في الحقيقة هي العلّة للحكم، بخلاف الأحكام العقليّة ـ مطلقاً ـ فإنّ متعلّق الحكم فيها هو المصلحة وهي الموضوع، فنقول في الأحكام الشرعيّة: هذا واجب لأنّه ذو مصلحة. وفي الأحكام العقليّة نقول: ذو المصلحة واجب، فيكون اللزوم والوجوب متعلّقاً بـ« ذو المصلحة » وهو الموضوع للحكم… فالعقل يدرك استحالة الدور ـ في الأحكام الشرعيّة ـ وهذه الكبرى تطبّق على مواردها، مثل ما تقدّم في محلّه: من أنّ أخذ قصد الأمر في المتعلّق محال… فهو لا يدرك استحالة أخذه كذلك، بل يدرك الكبرى التي هذا المورد من صغرياتها.
وفي الأحكام العمليّة كذلك، فهو لا يدرك أنّ ضرب اليتيم تأديباً حسن بل يدرك: التأديب حسن، ثم الكبرى تطبّق على هذه الصغرى، فهو يحكم بحسن ضرب اليتيم لكونه مصداقاً لكبرى حسن العدل.
فعلى هذا، فإن القيود في الأحكام العقلية تدخل تحت الطلب، أي كون العمل ذا مصلحة، أو كونه عدلاً، بخلاف الأحكام الشرعيّة، فإن كون صلاة الظهر ذات مصلحة ثابت، لكنّ هذا القيد غير داخل تحت الأمر بل هو العلّة له.
هذا، والبرهان على رجوع أحكام العقل النظري كلّها إلى اجتماع النقيضين وارتفاعهما هو: أنّ كلّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات. وعلى هذا الأساس أيضاً ترجع أحكام العقل العملي إلى حسن العدل وقبح الظلم.
هذا… فيقول الإصفهاني: إنّ ما ذكره الشيخ صحيح على القاعدة، لأنّ المفروض كون وجوب المقدمة من باب الملازمة بينها وبين ذيها، والملازمة حكم عقلي، وإذا كان كذلك، فليس نصب السلّم بموضوع للوجوب، بل موضوعه هو الصعود على السطح، فنصب السلّم المقصود بالعرض، المنتهي إلى ما بالذات هو المقدّمة… وهذا العنوان لا يتحقّق بدون الداعي للتوصّل إلى ذي المقدّمة.
(1) نهاية الدراية 2 / 113 ـ 134.