هل الأمر بعد الأمر يفيد التأسيس أو التأكيد ؟
كلام الكفاية:
قال: إذا ورد أمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثاله، فهل يوجب تكرار ذاك الشيء أو تأكيد الأمر الأول والبعث الحاصل به ؟
قضيّة إطلاق المادّة هو التأكيد، فإنّ الطلب تأسيساً لا يكاد يتعلّق بطبيعة واحدة مرّتين، من دون أن يجئ تقييد لها في البين ولو كان بمثل مرة أُخرى، كي يكون متعلّق كلّ منها غير متعلّق الآخر كما لا يخفى، والمنساق من إطلاق الهيئة وإن كان هو تأسيس الطلب لا تأكيده، إلاّ أن الظاهر هو انسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقةً بمثلها ولم يذكر هناك سبب أو ذكر سبب واحد(1).
توضيح ذلك:
أمّا إن كان هناك أمران وموضوعان، كقوله: إن ظاهرت فاعتق رقبة، ثم قوله: إن أفطرت فأعتق رقبةً، فلا كلام في التأسيس والتعدّد، وكذا لو كرّر الخطاب الواحد لكن مع كلمة « مرة أُخرى » مثلاً… فمورد البحث ما لو أمر بشيء وكرّر الأمر قبل امتثال الأمر الأول، كما لو قال اعتق رقبةً، ثم قال بعد ذلك وقبل الامتثال: اعتق رقبةً… فيقول صاحب ( الكفاية ) أنّ المادّة والهيئة مطلقان، لكن مقتضى إطلاق المادّة ـ وهو العتق مثلاً ـ هو التأكيد، لأن الواجب الذي تعلّق به التكليف هو صرف وجود العتق، فلمّا أعاد الأمر بلا قيد « مرة أُخرى » مثلاً، توجّه إلى صرف الوجود كذلك، وهو للطبيعة الواحدة لا يتعدّد، فلو جعل الأمر الثاني تأسيسيّاً لزم ورود التكليفين على صرف الوجود، وهو غير معقول، إذ البعثان يستلزمان الانبعاثين، وقد تقدم أنه لا يقبل التكرار، والتعدّد، فمقتضى إطلاق المادة هو التأكيد.
بخلاف إطلاق الهيئة، وهو الوجوب، فإن مقتضى الإطلاق الإنصرافي فيه هو التأسيس، لأنّ إنشاء الوجوب إنما يكون بداعي الطلب، فلو كان الأمر الثاني بداعي التأكيد لاحتاج إلى قرينة، فمقتضى إطلاق الهيئة هو التأسيس.
وحينئذ، يقع التمانع بين الإطلاقين، فإن إطلاق المادّة كان الطلب تأكيدياً، فإنْ رجّح إطلاق الهيئة كان تأسيسياً، وإن لم يرجّح أحدهما فالكلام مجمل، والمرجع هو الأصل العملي.
(1) كفاية الأُصول: 145.