طريق المحاضرات
ثمّ قال: فالصحيح في المقام أن يقال ـ بناءً على نظريّة المشهور، كما هي الحق، وهي إن حال السبب حال سائر المقدّمات، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً ـ إنّ المصالح والغايات المترتّبة على الواجبات ليست بقابلة لأنْ يتعلّق بها التكليف، لأنّ تعلّق التكليف بشيء يتقوّم بأمرين، أحدهما: أن يكون مقدوراً للمكلّف. والآخر: أنْ يكون أمراً عرفيّاً وقابلاً لأنْ يقع في حيّز التكليف بحسب أنظار أهل العرف، والمصالح والأغراض وإنْ كانت مقدورةً بالقدرة على أسبابها، إلاّ أنّها ليست ممّا يفهمه العرف العام، لأنّها من الأُمور المجهولة عندهم، وخارجة عن أذهان عامّة الناس، فلا يحسن من المولى توجّه التكليف إليها، ضرورة أن العرف لا يرى حسناً في توجّه التكليف بالإنتهاء عن الفحشاء والمنكر أو بإعداد النفس للإنتهاء عن الفحشاء والمنكر، فلا مناص من الالتزام بأنّ الغايات والأغراض غير متعلّق بها التكليف، وإنّما هو متعلّق بنفس الأفعال، ويصدق عليها حينئذ أنّها واجبة لا لأجل واجب آخر، فلا إشكال على الشيخ.
وفيه: إنّ في الأخبار والخطب المرويّة عن الشارع إشارات كثيرة إلى الأغراض والغايات المترتّبة على الأحكام الشرعيّة، فقد جاء فيها ذكر الغرض من الجهاد بأنّ الجهاد عزّ للإسلام قال عليه السلام: « فمن تركه رغبةً عنه ألبسه الذلّ… »(1)، وأنّ الزكاة تطهير للنفس وتوفير للمال(2)، وفي القرآن الكريم ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ )(3) فهل خاطب الشارع الناس بما لا يفهمون؟
إذا قال الشارع للناس: يجب عليكم العمل من أجل عزّ الإسلام والمحافظة على عظمة الدين، وذلك يحصل بالجهاد في سبيل اللّه، ألا يفهم العرف هذا المعنى؟ وإذا قال: عليكم بالمحافظة على المصالح العامّة للمجتمع الإسلامي، وطريق ذلك هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ألا يفهمون مراد الشارع؟
نعم، العرف العام بل الخاص يجهلون كيفيّة ترتّب الأغراض على الأفعال، والسرّ في حصول الانتهاء عن الفحشاء والمنكر بإقامة الصّلاة ـ مثلاً ـ لكنّ هذا الجهل لا يضرّ بالمطلب ولا يمنع من توجّه التكليف بالغرض.
والحاصل: إنّ هذا الطريق غير دافع للإشكال.
(1) وسائل الشيعة 15 / 18 الباب الأول من أبواب جهاد العدو.
(2) وسائل الشيعة 9 / 9 الباب الأول من أبواب الزكاة.
(3) سورة العنكبوت: 45.
Menu