رأي المحقّق الاصفهاني
واختلفت كلمات المحقّق الإصفهاني في هذا المقام(1)، ففي أوّل البحث اختار المقدميّة، وفي آخره قال: والتحقيق يقتضي طوراً آخر من الكلام، وانتهى إلى القول بالعدم… والبرهان الذي ذكره لنفي المقدميّة هو:
إنّ في الماديّات أربع علل وشرطين، بخلاف في المجرّدات فليس إلاّ العلّة الفاعليّة والعلّة الغائيّة ـ:
العلّة الفاعليّة، وهي التي يكون منها الوجود.
والعلّة الغائيّة، وهي التي من أجلها تحقّق الوجود.
والعلّة الماديّة، وهي الجنس.
والعلّة الصّوريّة، وهي الفصل.
والشرطان هما: ما يتمّم فاعليّة الفاعل، وما يتمّم قابليّة القابل، وذلك: لأنّ الوجود في الأُمور الماديّة بحاجة إلى الفاعل والقابل، فلو وجد الفاعل وكان ناقصاً لم يؤثّر أثره، ولو وجد القابل وابتلي بمانع فالأثر لا يتحقّق، وبتوفّر الشرط في الطرفين يتحقّق الأثر.
وحينئذ، ننظر في الأمر ونقول:
إنّ العلّة الماديّة هي الجنس، والعلّة الصوريّة هي الفصل، وعدم الضدّ الآخر لا هو جنس للضدّ الآخر ولا هو فصل له.
والعلّة الغائية أيضاً غير متصوّرة للعدم، لأنّ العلّة الغائيّة هي المنشأ للفاعليّة، ولا يعقل أن يكون عدم الضدّ فاعلاً للضدّ الآخر، لأنّ الفاعل والعلّة الفاعليّة للضدّ الآخر هو مقتضي وجود ذاك الضدّ، فلا يكون عدم أحد الضدّين فاعلاً للضدّ الآخر.
على أنّ الفاعليّة ـ أو تتميم الفاعليّة ـ منوطة بأنْ يكون هناك أثر ومنشأ للأثر، والعدم لا يمكن أن يكون مؤثّراً.
وتلخّص: أنّه لا توجد أيّة نسبة عليّة ومعلوليّة بين الضدّ كالبياض وعدم الضدّ كعدم السّواد.
فانحصر أنْ تكون النّسبة بينهما نسبة الإشتراط، فعدم السّواد شرط لوجود البياض… وقد ظهر أنّ الشرط إمّا هو متمّم لفاعليّة الفاعل أو متمّم لقابليّة القابل… أي: إمّا يجعل الفاعل المقتضي مؤثّراً، أو يجعل القابل قابلاً للأثر، لكنّ عدم الضدّ لا يمكن أن يكون متمّماً لفاعليّة الضدّ الآخر، لما تقدّم من أنّ الضدّ الآخر ليس فاعلاً للضدّ، على أنّ العدم لا يكون مؤثراً كما تقدّم أيضاً.
بقي صورة أن يكون عدم الضدّ متمّماً لقابليّة المحلّ لوجود الضدّ الآخر، وهذا أيضاً محال، لأنّه إن أُريد من قابليّة المحلّ أن يكون قابلاً لوجود كلا الضدّين معاً، فهذا محال، وإنْ أُريد أن يكون قابلاً لأحدهما، فإنّ هذه القابليّة موجودة بالذات ومن غير حاجة إلى المتمّم.
(1) نهاية الدراية 2 / 186 ـ 187.