قال المحقّق الإصفهاني(1):
إنّ مقتضى مقدّمات الحكمة هنا عدم تقييد الوجوب وهو مفاد الهيئة لا إطلاقه، أي: إنّها تقتضي حيثيّة عدميّة، وليست مقتضيةً لإطلاق الوجوب بمعنى اللاّبشرطيّة… وتوضيح ذلك:
إنّ الوجوب النفسي والغيري قسمان من الوجوب، وقد تقدّم أنّ النفسي هو الواجب لا لواجب آخر، والغيري هو الواجب لواجب آخر، فكان أحدهما مقيّداً بأمرِ عدمي والآخر مقيّداً بأمر وجودي، فالواجب النفسي مقيَّد بعدم كونه لواجب آخر، والغيري مقيَّد بكونه لواجب آخر… فكلاهما مقيَّد، وكلّ قيد ـ سواء كان وجودياً أو عدميّاً ـ فهو محتاج إلى بيان.
وعلى الجملة، فكما أنّ كون الشيء « بشرط شيء » قيد له، كذلك كونه « بشرط لا »، ولابدّ لكلّ قيد من بيان ومؤنة زائدة… وهذا مقتضى القاعدة.
لكنّ هناك موارد يرى العرف فيها استغناء القيد العدمي عن البيان، بمعنى أنّ مجرّد عدم البيان بالنسبة إلى القيد الوجودي، يكفي لأنْ يكون بياناً على القيد العدمي، وما نحن فيه من هذا القبيل، وذلك: لأنّ الواجب النفسي ما كان واجباً لا لواجب آخر، والغيري ما وجب لواجب، فكان الغيري مقيّداً بكونه للغير، وحينئذ، فلو تعلّق الطلب بشيء ولم يكن معه بيانٌ لكون هذا الطلب لشيء آخر، كان نفس عدم البيان لذلك كافياً عند أهل العرف في إفادة أنّ هذا المطلوب ليس لواجب آخر….
وعلى هذا، ليس الطريق إلى تعيين حال الفرد المحقّق خارجاً من الوجوب المتعلّق بالوضوء، من حيث النفسيّة والغيريّة، هو التمسّك بالأصل اللفظي في مفهوم الوجوب، كما ذهب إليه المحقّق الخراساني، بل الصّحيح إثبات إطلاق الفرد الواقع عن طريق عدم التقييد بكونه للغير، فإنّه يفيد كونه لا للغير، فهذا هو المراد من الاطلاق هنا، وهذا طريق إثباته.
وتلخّص: إنّه ليس الطريق هو التمسّك بإطلاق مفهوم الطّلب، فإنّه لا يحلّ المشكلة ولا يخرج الفرد الواقع من التردّد بين النفسيّة والغيريّة، لأنّ ذلك لا يحصل عن طريق إطلاق مفهوم الوجوب، إذ الإطلاق المفهومي لا يعيّن حال الفرد الواقع، بل الطريق الذي سلكناه هو الذي يعيّن حاله ويرفع التردّد والشك، لأنّه أفاد عدم التقييد بالغيريّة.
(1) نهاية الدراية 2 / 107.