دليل التفصيل بين الشرط الشرعي و غيره
فإنْ كانت المقدّمة شرطاً شرعيّاً كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة فهي واجبة، وإنْ كانت شرطاً غير شرعي كنصب السلّم للصعود إلى السطح الواجب فلا، وهو قول ابن الحاجب في ( المختصر ) وشارحه العضدي(1)، فهو:
أنّه لولا وجوب الشرط الشرعي شرعاً لما كان شرطاً، حيث إنّه ليس ممّا لابدّ منه عقلاً أو عادةً.
والحاصل: إنّ المقدّمة إن كانت عقليّة كطيّ الطريق للحج أو عاديّة كنصب السلّم للصعود، فلا حاجة إلى جعل الوجوب الشرعي، لأنّ جعله إنّما هو بداعي بعث المكلّف، والمفروض انبعاثه عقلاً أو عادةً نحو المتعلّق، وأمّا إن كانت المقدّميّة شرعيّة، فإنّ العقل لا يدرك لابديّتها، كلابدّية الوضوء للصّلاة، وهذا معنى قوله: لو لا وجوبه شرعاً لما كان شرطاً.
جواب المحقّق الخراساني
وأجاب المحقّق الخراساني(2): أوّلاً: إنّ الشرط مطلقاً ـ شرعيّاً كان أو عقليّاً أو عاديّاً ـ هو ما ينتفي المشروط بانتفائه، وعليه، فالشروط الشرعيّة ترجع إلى العقليّة.
قال الأُستاذ
وفيه: إنّه فرقٌ بين الشروط الشرعيّة وغيرها، لأنّ غير الشرعيّة واضحة لدى العقل، بخلاف الشرعيّة، إذ العقل لا يدرك لابدّيتها إلاّ بعد وجوبها شرعاً، كما تقدّم.
وأجاب ثانياً: بأنّه لا يتعلّق الأمر الغيري إلاّ بما هو مقدّمة، فلابدّ من إثبات مقدميّة المقدّمة قبل تعلّق الأمر فلو كانت مقدميّته متوقّفة على تعلّق الأمر بها لزم الدور.
قال الأُستاذ
ويمكن الجواب: بأنّ الوضوء كما هو شرط وقيد للصّلاة بما هي واجبة، كذلك هو قيد للصّلاة بما هي قربان كلّ تقي ـ مثلاً ـ فله دخلٌ في وجوبها وفي الغرض منها، لكنّ دخله في الغرض منها غير موقوف على وجوبه الغيري، بل الوجوب الغيري موقوف على ذلك، إذ لو لم يكن الوضوء قيداً للغرض من الصّلاة لم يتعلّق به الوجوب الغيري. وعليه، فقد أصبح الوجوب الغيري للوضوء موقوفاً على دخله في الغرض من الصّلاة، وليس دخله فيه موقوفاً على وجوبه الغيري.
نعم، مقدميّة الوضوء للصّلاة ـ من حيث أنّها واجبة ـ موقوفة على الوجوب الغيري. والحاصل: إنّه قد وقع الخلط بين مقدميّة الوضوء للواجب ومقدميّته للغرض من الواجب.
وعلى الجملة: فإن كون الوضوء شرطاً وقيداً للواجب موقوف على مصحّح انتزاع هذه الشرطيّة وهو الوجوب الغيري، لكنّ الوجوب الغيري موقوف على شرطيّته للقربانيّة وغيرها من الأغراض، فاختلف الموقوف والموقوف عليه، فلا دور.
الحق في الجواب
ما ذكره المحقّق الخراساني بالتالي، من أنّ المصحّح لاتّصاف المقدّمة الشرعيّة بالمقدميّة هو: الأمر النفسي المتعلّق بذي المقدّمة مقيّداً بالمقدّمة، كقوله: صلّ مع الطّهارة، فإنّ مثل هذا الخطاب يكون منشأً لانتزاع المقدميّة والشرطيّة للوضوء بالنسبة إلى الصّلاة، فلا يكون واجباً غيريّاً شرعاً.
هذا تمام الكلام في مقدمة الواجب.
(1) شرح المختصر 1 / 244.
(2) كفاية الأُصول: 128.