جواب المحقّق الخونساري
وعن المحقق الخونساري أنه أجاب عن هذا الدور: بأنّ التوقّف من طرف الوجود فعلي، بخلاف التوقّف من طرف العدم، فإنّه يتوقّف على فرض ثبوت المقتضي له مع شراشر شرائطه غير عدم وجود ضدّه، ولعلّه كان محالاً، لأجل انتهاء عدم وجود أحد الضدّين مع وجود الآخر إلى عدم تعلّق الإرادة الأزليّة به وتعلّقها بالآخر حسب ما اقتضته الحكمة البالغة، فيكون العدم دائماً مستنداً إلى عدم المقتضي، فلا يكاد يكون مستنداً إلى وجود المانع كي يلزم الدور… ذكره صاحب الكفاية(1)، وتوضيحه:
إنّه لا يلزم الدور، لكون التوقّف من أحد الطرفين فعليّاً ومن الطرف الآخر تقديريّاً، وهذا الاختلاف كاف لعدم لزومه، لأنّ الوجود الفعلي للمعلول متوقّف دائماً على فعليّة العلّة التامّة بجميع أجزائها، من المقتضي والشرط وعدم المانع، فإذا تحقّقت تحقّق المعلول واستند وجوده إليها… هذا من جهة. ومن جهة أُخرى: يعتبر وجود أجزاء العلّة جميعاً مع وجود المعلول وإن كانت الأجزاء مختلفةً في المرتبة، لكنّ وجود المعلول مستند إلى جميعها، فإذا وجدت وجد. أمّا عدم المعلول فيستند في الدرجة الأُولى إلى عدم المقتضي ثمّ إلى عدم الشرط ثمّ إلى وجود المانع، لأنّ المراد من الشرط ما يتمّم فاعليّة الفاعل أي المقتضي، ومن المانع ما يزاحم المقتضي في التأثير، فلابدّ من وجود المقتضي أوّلاً ثمّ الشرط ثمّ عدم المانع، فلو فقد المقتضي لاستند عدم المعلول إلى عدم الشرط أو وجود المانع، ولو فقد الشرط ـ مع وجود المقتضي ـ استند عدم المعلول إلى عدم الشرط لا إلى وجود المانع.
فالمراد من فعليّة التوقّف في طرف وجود الضدّ هو أنّ العلّة التامّة لوجوده متحقّقة، إذ المقتضي والشّرط متحقّقان، فهو متوقّف على عدم الضدّ.
لكنّ التوقف من طرف العدم تقديري، لأنّ عدم الضدّ لا يسند إلى وجود الضدّ الآخر، إلاّ إذا تحقّق المقتضي والشرط للعدم، فكان توقّف عدم الضدّ على وجود الضدّ الآخر تقديريّاً، وذلك، لأنّ الإرادة إن تعلّقت بالصّلاة استحال تعلّقها بالإزالة، فكان عدم الإزالة مستنداً إلى عدم المقتضي لها وهو الإرادة، وليس مستنداً إلى وجود الصّلاة المانع عن تحقّق الإزالة… ولو كانت هناك إرادتان تعلّقت احداهما بضدّ والأُخرى بالضدّ الآخر، كان عدم تحقّق الضدّ الذي تعلّقت به الإرادة المغلوبة غير مستند إلى وجود المانع أي الإرادة الغالبة، بل إلى عدم قدرة الإرادة المغلوبة، فرجع عدم الضدّ إلى عدم المقتضي.
وتلخّص: عدم لزوم الدور واندفاع الإشكال عن استدلال المشهور للقول بالمقدميّة.
رأي صاحب الكفاية
وقد سلّم المحقّق الخراساني للجواب المذكور ووافق على أنّه رافع للدور، لكنّه قال: بأنّ هذا الجواب غير سديد، لبقاء مشكلة لزوم توقّف الشيء على ما يصلح أن يتوقّف عليه، قال: « لاستحالة أن يكون الشيء الصالح لأنْ يكون موقوفاً عليه الشيء موقوفاً عليه، ضرورة أنّه لو كان في مرتبة يصلح لأنْ يستند إليه، لما كاد يصح أن يستند فعلاً إليه »(2).
وحاصله: إنّ مجرّد صلاحيّة عدم الضدّ للمانعيّة عن وجود الضدّ الآخر كاف للإستحالة، لأنّه لمّا كان صالحاً لذلك كان متقدّماً رتبةً، تقدّم المانع على الممنوع، لكنّه في نفس الوقت متأخّر عن الضدّ الموجود لكونه معلولاً له، فيلزم في طرف الوجود اجتماع التقدّم والتأخّر، واجتماع المتقابلين في الشيء الواحد محال، فالقول بتوقّف وجود الضدّ على عدم ضدّه ـ توقّف الشيء على مقدّمته ـ باطل.
فظهر: إنّ صاحب الكفاية مخالفٌ للمشهور، وأنّ جوابه عن استدلالهم يرجع إلى أنّه يستلزم اجتماع المتقابلين في الشيء الواحد، وهو محال، فالدور وإن اندفع بما ذكر، لكن ملاك الاستحالة موجود.
(1) كفاية الأُصول: 130.
(2) كفاية الأُصول: 131.