ثمرة النّزاع بين المشهور والفصول
ذكر صاحب الفصول في بيان ترتّب الثمرة على مختاره ما ملخّصه(1): إنّ الأمر بالشيء يقتضي إيجابه لنفسه وإيجاب ما يتوقّف عليه من المقدّمات للتوصّل إليه، ومن جملة المقدّمات ترك الأضداد المنافية للفعل، لأنّ مقدّمة المقدّمة مقدّمة.
وتوضيحه: إنّ هذه الثمرة تترتّب على النزاع فيما لو أُمر ـ مثلاً ـ بإنقاذ الغريق وتوقّف ذلك على ترك الصّلاة، بناءً على المقدّمات التالية:
1 ـ أن يكون ترك أحد الضدّين مقدّمة لفعل الضدّ الآخر، كأن يكون ترك الصّلاة مقدّمة لفعل الإنقاذ.
2 ـ أن يكون الأمر بالشيء مقتضياً للنهي عن ضدّه، فإذا وجب الإنقاذ كان الصّلاة مورداً للنهي.
3 ـ أن يكون النهي عن العبادة مقتضياً للفساد، فتكون الصّلاة باطلة في المثال.
فبناءً على أنّ الواجب مطلق المقدّمة ـ كما عليه المشهور ـ فالصّلاة باطلة، للمقدّمات المذكورة، وأما بناءً على أنّه خصوص المقدّمة الموصلة ـ كما عليه صاحب الفصول ـ فصحيحة، لأنّ الإتيان بالصّلاة ليس نقيضاً لتركها الموصل إلى الإنقاذ حتى تكون مورداً للنهي فتبطل، بل نقيض ترك الصّلاة الموصل إلى الإنقاذ هو عدم هذا الترك الموصل، وهو ـ أي ترك الصّلاة كذلك ـ ليس عين الصّلاة ليتوجّه النهي إليها فتبطل، بل إن عدم تركها يمكن أن يتحقّق بفعلها وأن يتحقّق بفعل آخر كالنوم مثلاً. فهذه هي الثمرة، ذكرها في الفصول وقرّرها المحقّق الخراساني في الكفاية.
إشكال الشيخ
ثمّ ذكر في ( الكفاية )(2) إشكال الشيخ الأعظم على الثمرة، وأنّ مقتضى القاعدة هو البطلان على كلا القولين، بتقريب: إن نقيض ترك الصّلاة الموصل إلى الإنقاذ له فردان: فعل الصّلاة أو تركها المجرّد عن الإيصال إلى الإنقاذ، وبناءً على اقتضاء الأمر بالشيء لحرمة نقيضه، فإنّه تسري الحرمة إلى كلٍّ من الفردين، فتبطل الصّلاة على القولين.
جواب الكفاية
وأجاب عنه صاحب الكفاية: بالفرق بين نقيض الترك الموصل والترك المطلق، وحاصله: إنّ نقيض ترك الصّلاة المطلق هو الصّلاة، فترك الترك هو فعلها، وإذا كان الانقاذ واجباً والصّلاة نقيضه، فإنّ الإتيان بها منهيٌّ عنه، فتبطل… أمّا بناءً على مسلك الفصول وأنّ المقدّمة لتحقّق الإنقاذ هو ترك الصّلاة الموصل، فإنّ النقيض عدم هذا الترك، وعليه، فيكون فعل الصّلاة مقارناً لهذا الترك ـ إذ أنّه يتحقّق بفعل آخر كالنوم مثلاً ـ وإذا كان مقارناً، فإنّ حرمة الشيء لا تسري إلى مقارنه، فلا تكون الصّلاة باطلة.
أقول:
ملخّص إشكال الشيخ: أمّا على المشهور، فإنّ فعل الصّلاة وإنْ لم يكن نقيض المقدّمة فهو مصداق لنقيضها أو لازمٌ له، فالنقيض لترك الإنقاذ هو ترك ترك الإنقاذ، وهذا منطبق على نفس فعل الصّلاة، فتكون فاسدة. أمّا على مبنى الفصول، فإنّ هذا العنوان منطبقٌ، لكن مورد الانطباق أمران أحدهما فعل الصّلاة والآخر مجرّد الترك، فكلاهما مورد انطباق النقيض… فالصّلاة فاسدة كذلك.
وملخّص جواب الكفاية: عدم انطباق النقيض على فعل الصّلاة، بل هو ملازم للنقيض، وحرمة الملازم لا يوجب حرمة الملازم الآخر، فالثمرة مترتّبة.
(1) الفصول الغرويّة: 86.
(2) كفاية الأُصول: 121.