ثمرة البحث
ثم إنه قد بحث الأعلام عن ثمرة هذا البحث فذكروا موارد:
منها: مسألة المواسعة والمضايقة، فقد ذهب المشهور من المتقدّمين إلى المضايقة، بناءً على أنّ الأمر بالصّلاة الفائتة يدلّ على النهي عن الحاضرة، وهي الضدّ الخاصّ، وعليه، فقد أفتوا بأن من كانت ذمّته مشغولةً بصلاة، فصلاته الأدائيّة بعد الوقت باطلة، لأنّ عدم الضدّ الخاص ـ وهو الصّلاة الحاضرة ـ يكون مقدّمة لوجود الضدّ الآخر وهو الصّلاة الفائتة.
لكن مقدميّة عدم أحد الضدّين لوجود الضدّ الآخر أوّل الكلام، كما تقدّم بالتفصيل.
ومنها: مسألة ترتّب العقاب على المخالفة للنهي بناءً على الدلالة، وعدم ترتّبه بناءً على عدمها.
لكنّ استلزام مخالفة النهي الغيري لاستحقاق العقاب أوّل الكلام.
ومنها: ترتّب أثر المعصية، فإنّه إذا كان الأمر بالشيء دالاًّ على النهي عن ضدّه، يكون الضدّ الخاص ـ كالسّفر ـ معصيةً، ويترتّب على ذلك وجوب إتمام الصلاة.
ولكنْ هذا يتوقّف على عدم انصراف أدلّة وجوب الإتمام في سفر المعصية عن النهي الغيري العرضي.
ومنها: فساد العبادة، لأنّه مع الدلالة على النّهي تكون العبادة المزاحمة فاسدةً، لأنّ النهي عنها موجب لفسادها، أمّا مع عدم الدلالة فهي صحيحة، وتوضيح ذلك:
إنّه إن كان الأمر بالشيء يدلّ على النهي عن ضدّه من باب أنّ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر، فيجب عدمه بمقتضى دلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه العام، فلا ريب في حرمة فعل الضدّ.
وإن كان الأمر بالشيء يدلّ على النهي عن ضدّه من باب الاستلزام، بأنْ يكون عدم ذاك ملازماً لوجود هذا، كان عدم ذلك الضدّ واجباً لكونه ملازماً للواجب، والمفروض اتّحاد المتلازمين في الحكم، وإذا كان واجباً فوجوبه يدلّ على النهي عن الضدّ العام، فيكون فعله محرّماً.
وإذا ثبت حرمة الضدّ ـ بأحد الطريقين: المقدميّة أو الملازمة ـ فإن كان الضدّ عبادةً، وقعت باطلة، بناءً على أنّ النهي في العبادات يوجب الفساد… لكنّ هذا النهي تبعي وعرضي، فلابدّ من القول بدلالة النهي في العبادات على الفساد حتى في النواهي العرضيّة.
لكنّ الضدّين المتزاحمين، قد يكونان مضيّقين، وقد يكون أحدهما مضيّقاً والآخر موسّعاً، وعلى الأوّل، فتارةً يكونان متساويين، وأُخرى يكون أحدهما مهمّاً والآخر أهم.
فإن كانا مضيّقين وأحدهما أهم، كما لو دار الأمر في آخر وقت الصّلاة بينها وبين إزالة النجاسة عن المسجد، فإنّه وإن كان وجوب الإزالة فوريّاً، فإنّ ضيق وقت الصّلاة يوجب أهميّتها، وحينئذ، يكون الأمر بالصّلاة دالاًّ على النهي عن الضدّ فلا تجوز الإزالة.
وإن كان وجوب أحدهما موسّعاً، كما لو كان وقت الصّلاة موسّعاً والأمر بالإزالة فوري، فعلى القول بالدّلالة يكون الأمر بالإزالة دالاًّ على النهي عن الصّلاة.
ولو كانا مضيّقين وكان أحدهما عملاً غير عبادي لكنْ كان أهمّ من الآخر العبادي، كما لو دار الأمر في ضيق الوقت بين أن يصلّي أو ينقذ النفس المحترمة من الغرق، فالأمر بالإنقاذ الأهم من الصّلاة يدلّ على النهي عنها بناءً على الدلالة، فلو أتى بها حينئذ كانت فاسدة، لكون النهي عن العبادة موجباً للفساد، أمّا بناءً على عدم الدلالة، فلا موجب لفسادها لو أتى بها في ذلك الوقت وترك الإنقاذ.
Menu