تفصيل المحقّق الخونساري
وتعرّض صاحب الكفاية لرأي المحقّق الخونساري والجواب عنه، وهو القول بالتفصيل بين الضدّ الموجود والضدّ المعدوم، وأن عدم الضدّ الموجود مقدّمة لوجود الضدّ غير الموجود، بخلاف العكس، فإنّ عدم الضدّ غير الموجود ليس بمقدمة للضدّ الموجود.
وتوضيحه: إنّ المحلّ حين يكون خالياً عن الضدّين قابلٌ لكلٍّ منهما، وهذه القابليّة ذاتية لا تحتاج إلى شيء، ولكنْ عندما يوجد فيه أحد الضدّين تنتفي قابليّته للضدّ الآخر، فلو أُريد للضدّ الآخر غير الموجود أنْ يتواجد في هذا المحلّ، فإنّ رفع الضدّ الموجود فيه يكون مقدمةً لذلك… فكان عدم الضدّ الموجود مقدّمةً لوجود الضدّ غير الموجود.
الجواب على مبنى الميرزا
وجواب هذا التفصيل على مبنى المحقّق النائيني واضح، لأنّه ـ بناءً على أنّ مناط الحاجة إلى العلّة في الممكنات هو الحدوث لا الإمكان ـ يلزم اجتماع المقتضيين للضدّين، وهو عند الميرزا محال، لأنّه مع وجود أحدهما في المحلّ وانتفاء قابليّته للآخر يكون للموجود مقتض، فإذا كان هذا الموجود مانعاً عن وجود الضدّ الآخر ـ كما يقول المحقّق الخونساري ـ فإنّ مانعيّته عنه هي بعد تماميّة المقتضي لوجود ذلك الضدّ، فيكون الضدّ الآخر أيضاً ذا مقتض، فيلزم اجتماع المقتضيين للضدّين.
لكنّ المبنى المذكور غير مقبول، فلابدّ من جواب آخر عن هذا التفصيل.
قال الأُستاذ:
والتحقيق هو النظر في مناط حاجة الشيء الممكن إلى العلّة، وأنّ الحق في ذلك هو الإمكان لا الحدوث، وحينئذ يبطل التفصيل، وتوضيح ذلك:
إنّه قد ذهب جماعة إلى أنّ مناط حاجة الممكن إلى العلّة هو الحدوث، فإذا تحقق له الحدوث استغنى عن العلّة لبقائه. وذهب آخرون إلى أنّ المناط هو الإمكان، فإذا وجد فالمناط أيضاً ـ وهو الامكان ـ موجود، فهو بحاجة إلى العلّة بقاءً كاحتياجه إليها حدوثاً.
أمّا على الأوّل فيتمّ التفصيل، لأنّ الضدّ الذي وجد في المحلّ يزول مقتضيه بمجرّد وجوده وحدوثه، والضدّ الآخر غير الموجود قد فرض له مقتضي الوجود، فيكون عدم وجوده مستنداً إلى وجود الضدّ الموجود في المحلّ، ويكون عدم الموجود مقدمةً لوجود الضدّ غير الموجود.
وأمّا على مبنى التحقيق فلا يتم، لأنّ المقتضي بعد حدوث الشيء موجود، وهو مؤثّر في وجوده في كلّ آن، فمقتضي الضدّ الموجود في المحلّ غير منعدم أصلاً، وحينئذ، تقع الممانعة بين مقتضي هذا الضدّ ومقتضي الضدّ غير الموجود، فليس نفس وجود الضدّ هو المانع ليكون عدمه مقدّمةً.
وبهذا ظهر: إنّه على القول باستحالة تحقّق المقتضي للضدّين يسقط التفصيل، سواء كان مناط الحاجة هو الإمكان أو الحدوث، أمّا على القول بعدم الاستحالة فينحصر الجواب عن التفصيل بكون المناط هو الإمكان.
هذا، ولا يتوهّم أنّ المانعيّة إنّما هي للضدّ الموجود، لأنّه هو السبب في ارتفاع قابليّة المحلّ للضدّ الآخر، ولولاه لشغل ذاك هذا المحلّ… لأنّ ذلك ـ وإنْ كان كذلك بنظر العرف ـ خلاف الواقع بحكم العقل وهو الحاكم في مثل هذه الأُمور دون العرف، لأنّ قابليّة المحلّ مقدّمة رتبةً على وجود الضدّ غير الموجود، ولمّا كان الضدّ الموجود هو الرافع للقابليّة هذه، كان الضدّ الموجود مقدّماً برتبتين على الضدّ غير الموجود، فلا تمانع بينهما.
وأيضاً: فإنّ الضدّ غير الموجود فعلاً له شأنيّة الوجود، فهو قابلٌ لأنْ يكون علّةً لزوال الضدّ الموجود، فيكون كلّ واحد منهما قابلاً للعليّة وقابلاً للمعلوليّة، فيكون أحدهما متقدّماً بالقوّة والآخر متأخّراً بالقوّة، وأحياناً متقدّماً بالفعل ومتأخّراً بالفعل.
فلا يتحقّق التضاد بينهما أبداً.
وقال السيّد الأُستاذ ـ بعد قوله: الذي يقتضيه الإنصاف هو تسليم القول بالتفصيل ـ ما ملخّصه: هذا التفصيل لا ينفع فيما نحن فيه من متعلّقات الأحكام الشرعيّة، لكونه من الأفعال التدريجيّة الحصول بلا أنْ يكون لها وجود قار، فهي دائماً تكون من الضدّ المعدوم، ولا مقدميّة في الضدّ المعدوم. فلا يكون للتفصيل ثمرة عمليّة(1).
(1) منتقى الأُصول 2 / 355.