كلام الميرزا النائيني
وذهب المحقق النائيني في تصوير الواجب التخييري، كما في ( أجود التقريرات )(1) إلى أنّ الواجب هو الفرد المردّد والواحد على البدل، أي هو أحد الشيئين أو الأشياء، وذلك، لأنّه لا مانع من تعلّق الإرادة التشريعيّة بالمردد، وتوضيحه:
إن الإرادة التكوينية والتشريعية تشتركان في أن كلتيهما إرادة، لكنهما تقترقان من جهة التكوينيّة والتشريعيّة، ولكلٍّ منهما أحكام وأقسام. مثلاً: الإرادة من المولى لا فاعليّة لها، بل الفاعليّة هي لإرادة المكلّف، والإرادة التشريعيّة تنقسم إلى التعبّدي والتوصّلي، وهذا غير معقول في التكوينيّة.
ومن ذلك: إن الإرادة التكوينيّة لا يعقل أن تتعلّق بالكلّي، بل متعلّقها دائماً هو الجزئي الحقيقي، لأن الإرادة التكوينيّة علّة للوجود، والعلّة يستحيل تعلّقها إلاّ بالوجود وهو عين التشخّص، بخلاف الإرادة التشريعيّة، فإنّها تتعلّق بالكليّات حتى لو قيّد المتعلّق بقيود كثيرة، كأن يقال: صلّ في المسجد يوم الجمعة ظهراً جماعةً في أوّل الوقت… والسرّ في ذلك: أنه ما لم يوجد في الخارج أو الذهن فلا تتحقّق له الجزئيّة….
إذن… الإرادة التي لا تتعلّق بالمبهم المردّد هي التكوينيّة، وأما التشريعيّة فإنّها تتعلّق به، إذ التكوينيّة هي العلّة التامّة للوجود، والمردّد غير قابل للوجود أي لا وجود له، أمّا التشريعيّة فليست بعلة للوجود، وإنما أثرها هو إحداث الداعي الإمكاني في نفس العبد، فقد يمتثل وقد لا يمتثل، ومن هنا تكون التشريعيّة تابعة للغرض والملاك، فإن كان الغرض يحصل بأحد الأفراد جاءت الإرادة متعلّقة به كذلك، وكان الخطاب على طبق الإرادة، إذ يأمر بالعتق أو الإطعام أو الصوم ليدلّ على أنّ المكلّف به ليس معيّناً، وليس هو الجامع، بل المطلوب خصوصيّة كلّ واحد من الأفراد لكن على البدل، وكذلك الحال في الوصيّة، إذ يوصي بأحد الشخصين أن يعطى كذا، أو ينوب عنه في الحج مثلاً، أؤ يُعتق في سبيل اللّه.
إذن، فما ذهب إليه الميرزا متوافق مع ظهور الأدلّة في الواجب التخييري في مقام الإثبات….
فظهر أنْ لا محذور لهذا المبنى حتّى يذكر ويدفع، فلا يبقى مجالٌ لاستغراب السيّد الأُستاذ من الميرزا قائلاً: « وهذا غريب من مثل المحقق المذكور، فإنّ اللازم عليه كان بيان ما يحتمل أنْ يكون محذوراً ودفعه، لا مجرّد عدم وجود المانع لا أكثر من دون بيان وجه ذلك، فإن ذلك لا يتناسب مع علميّة البحث »(2).
ولا يخفى أنه أيضاً قد اختار هذا المبنى في الواجب التخييري(3).
(1) أجود التقريرات 1 / 265.
(2) منتقى الأُصول 2 / 490.
(3) منتقى الأُصول 2 / 495.