2 ـ عن طريق الملازمة
وبعد الفراغ عن بحث مقدميّة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر، تصل النوبة إلى البحث عن الطريق الآخر لدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه الخاص، وهو طريق الملازمة، وتوضيحه:
إنّ وجود كلّ ضدّ من الضدّين ملازم لعدم الضدّ الآخر، فوجود الحركة ملازم لعدم السكون، ووجود البياض ملازم لعدم السّواد، وهذه هي الصغرى وتنطبق عليها كبرى أنّ المتلازمين يستحيل اختلافهما في الحكم، فإذا كانت الحركة واجبةً كان عدم السكون واجباً.
أمّا أنّ وجود الضدّ ملازم لعدم الضدّ الآخر، فلأنّه لو جاز وجود الضدّ الآخر لزم اجتماع الضدّين، وهو محال. وأيضاً: لو جاز ـ مع وجود أحدهما ـ عدم انعدام الآخر، لزم اجتماع النقيضين، وهو محال.
وأمّا أنّهما متوافقان في الحكم، فلأنّ المفروض أنْ يكون لكلّ من المتلازمين حكم، فلو كان أحدهما واجباً وخالفه الآخر في الحكم، فإمّا أنْ يكون حكمه هو الحرمة فيلزم طلب المتناقضين، والتكليف المحال ـ فضلاً عن التكليف بالمحال ـ، وإمّا أن يكون حكمه الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة، وهذا محال كذلك، لأنّه لمّا كان حكم أحدهما الوجوب فالشارع غير مرخّص في تركه، والعقل حاكم بلابدّيته، لكنّ الآخر الذي فرض حكمه أحد الأحكام الثلاثة المذكورة، فهو مرخّص شرعاً في تركه والعقل حاكم بجواز الترك، فيلزم التناقض في حكم العقل، بأنْ يحكم بلابدّية الحركة ويجوّز السكون في نفس الوقت، وهذا محال… إذن… لابدّ وأن يكون المتلازمان متوافقين في الحكم.
قال الأُستاذ:
لكنّ الإشكال في الكبرى. أمّا نقضاً: فلا شكّ أن الأمر لمّا يتعلّق بالطبيعة كالصّلاة مثلاً، فإنّ الطبيعي لا يتحقّق خارجاً إلاّ ملازماً لخصوصيّات من الزمان والمكان وغيرهما، لكن متعلّق الحكم ـ بضرورة الفقه ـ هو الطبيعي، وليس لتلك الخصوصيّات حكم أصلاً، إذ الواجب على المكلّف هو صلاة الظهر مثلاً، لا خصوصيّة هذا الفرد منها الذي أتى به في الدار في أوّل الوقت مثلاً.
وأمّا حلاًّ، فصحيحٌ أنّه ما من واقعة إلاّ وفيها حكم شرعي، لكن هذه الكبرى ليست بلا ملاك، وملاكها لا يخلو: إمّا هو تبعيّة الأحكام الشرعيّة للمصالح والمفاسد غير المزاحمة، على مسلك العدليّة، من جهة أنّه إذا رأى العقل المصلحة التامّة يستكشف الحكم الشرعي في الواقعة بقانون الملازمة. وإمّا هو ضرورة جعل الشارع الدّاعي لتحقّق غرضه، والداعي هو الحكم. وإمّا هو لزوم خروج المكلّف من الحيرة في كلّ واقعة.
لكنْ لا شيء من هذه الأُمور في المتلازمين.
أمّا الأوّل: فلأنّه لا دليل على أنّه لو كان للملازم ملاك فلابدّ وأن يكون لملازمه ملاك كذلك، فلو كان القعود واجباً، فما هو المصلحة لجعل الوجوب لترك القيام ؟
وأمّا الثاني: فلأنّ جعل الحكم للملازم كاف للداعويّة إلى تحقّق غرض المولى، ولا حاجة لجعل الملازم الآخر من هذه الجهة.
وأمّا الثالث: فلأنّه لا حيرة للمكلّف في مورد المتلازمين في فرض جعل الحكم لأحدهما، فإنّه مع جعل الوجوب للقعود، لا يبقى المكلّف متحيّراً في حكم القيام حتّى يُحتاج إلى جعل حكم الوجوب لتركه.
وتلخّص: أنّه لا ملاك ـ بعد جعل الحكم لأحد المتلازمين ـ لجعله للملازم الآخر… فالكبرى غير منطبقة هنا… فالاستدلال ساقط.
وبذلك يظهر سقوط الطريق الثاني لإثبات أنّ الأمر بالشيء نهي عن الضدّ الخاص.