الوجه السّابع
هو: إن الأمر إذا صدر عن المولى متوجّهاً إلى عبده، فله أنحاء من الإضافات، إذ له نحو إضافة إلى الآمر وهو بصدوره عنه، ونحو إضافة أُخرى إلى المأمور، وهو بتحريكه نحو المطلوب، ونحو إضافة بالفعل الصادر، وهو بقيامه فيه شبه قيام العرض في الموضوع لا مثله حقيقةً، لما عرفت من أن التكليف ليس من العوارض الخارجية، إذ الخارج ظرف السقوط لا ظرف العروض.
ومعلوم: أنه لا فرق بين الواجبات العينيّة والكفائيّة من جهة الإضافة الأولى والثانية، إذ في كليهما كان الآمر يصدر عنه الطلب وكان المأمور مبعوثاً نحو الفعل، لكنّ الفرق بين العيني والكفائي إنما هو في نحو الإضافة الأخيرة، حيث أن نحو إضافة التكليف إلى الفعل في العيني هو بقيد صدوره عن آحاد المكلفين مباشرةً، فيتعدّد لا محالة بتعدّد المكلّفين بمناسبة هذا القيد، بخلاف الواجبات الكفائية فلا يتعدّد بتعداد المكلّفين.
فتعلّق التكليف بالمكلّفين هو على نحو الاستغراق في العيني والكفائي من غير فرق، والفرق بينهما إنما هو بنحو الإضافة الأخيرة، فكما يمكن أن يكون نحو إضافة التكليف إلى الفعل المتعلّق بقيد أن يكون التعلّق صادراً عن كلّ فرد من الأفراد بالمباشرة، كما في الصّلاة والصوم ونظائرهما من الواجبات النفسيّة، حيث أن المصلحة قائمة في فعل آحاد المكلّفين بالصّدور المباشري، كذلك يمكن أن يكون نحو إضافته إلى المتعلّق لا بقيد صدوره عن كلّ واحد مباشرة، بل يكون نحو تعلّقه بصرف الوجود من طبيعة الفعل لا بقيد تكثرها بكثرة أفراد المكلفين، فيسقط الأمر بصرف وجود الطبيعة في الخارج من أحد المكلفين قهراً، لأنّ الطبيعة توجد بوجود فردمّا. هذا هو حقيقة الوجوب الكفائي فافهم واغتنم. وهذا مختار السيد البروجردي(1).
وحاصل هذا الوجه هو: أن كلّ التصويرات مردودة، لأنها كانت متوجّهةً نحو المطلوب منه، فقيل: هو مجموع الأفراد، وقيل: الجميع ويسقط بفعل البعض، وقيل: الواحد المردّد… بل الفرق بين العيني والكفائي هو من ناحية المطلوب، إذ هو في الأول مشروط بصدوره من المكلّف الخاص والثاني لا بشرط من ذلك.
(1) الحجة في الفقه: 216 ـ 217.