الوجه الثامن
إنه ليس للوجوب حقائق مختلفة متعدّدة ممتازة بذاتيّاتها، بل هو في جميع موارده سنخ واحد، ويكون تكثّره بالعوارض المصنّفة والخصوصيّات المشخّصة.
فسنخ الكفائي هو سنخ العيني، والتكليف فيه متوجّه إلى الجميع، لعدم معقوليّة تكليف واحد على البدل، والفرض عدم اختصاص التكليف بواحد معيّن، والتكليف المتوجّه إلى الجميع متعدّد، لعدم معقوليّة توجّه تكليف واحد إلى متعدّدين، فإذا تعدّد التكليف والمكلّف تعدّد الفعل المكلّف به، ويكون تكليف كلّ واحد متعلّقاً بفعل نفسه لا بفعل غيره….
فحقيقة الوجوب هنا هي حقيقة الوجوب هناك من غير تخالف في الحقيقة الوجوبيّة أصلاً، فيجب على كلّ واحد امتثال تكليف نفسه، فإذا اجتمع الكلّ على الامتثال دفعةً واحدة استحق كلّ واحد المثوبة الكاملة، وإذا اجتمعوا على المعصية استحق كلّ واحد عقاباً تامّاً كما في الواجبات العينيّة.
نعم، إذا بادر أحدهم إلى الإمتثال سقط التكليف عن الباقين، على خلاف الواجبات العينيّة، وليس المنشأ لهذا الاختلاف حقيقة الوجوب، بل الوجه في ذلك ارتفاع موضوع التكليف بإتيان واحد، وذلك لخصوصيّة أُخذت في المتعلَّق، فإنّ متعلّق التكليف هو الغسل والكفن والدفن لميت لم يغسّل ولم يكفّن ولم يصلّ عليه ولم يدفن. وهذا كلّه ينتفي بإتيان واحد، فموضوعُ التكليف غير باق ليكلّف الباقون.
وحاصل الكلام هو: إن الفرق بين الوجوب العيني والوجوب الكفائي هو في طرف موضوع التكليف، فهو في الأول لا بشرط وفي الثاني بشرط، أي هو الميت الذي لم يغسّل ولم يكفن ولم يصلّ عليه ولم يدفن، فإذا تحقّق ذلك كلّه في حقّه من واحد، فلا موضوع لتكليف سائر المكلّفين، ويكون سقوط التكليف عنهم لانتفاء الموضوع، خلافاً للسيد البروجردي، إذ جعل العيني مشروطاً بصدوره عن فاعل خاص والكفائي لا بشرط… وهذا مختار المحقق الإيرواني(1).
(1) نهاية النهاية 1 / 203.