الطريق الثاني
والبحث في الطريق الثاني ـ وهو تصحيح العبادة بقصد الملاك، كما ذهب إليه صاحب ( الكفاية ) والميرزا ـ يستدعي الكلام في جهتين:
جهة الكبرى، وهي تصحيح العبادة بقصد الملاك، وأنّه لا ينحصر تصحيحها بقصد الأمر فقط… وللتحقيق عن هذه الجهة موضع آخر.
وجهة الصغرى، وهي المهمّة في المقام، وهي أنّه كيف يثبت الملاك في الفرد المزاحم ؟
إنّه لابدّ من الكشف عن الملاك كي يؤتى بالعمل بقصده، والمفروض عدم وجود أمر عرضي يكون كاشفاً عنه كشف المعلول عن العلّة ـ على مسلك العدلية ـ لأنّ وجوده مشروط بالقدرة على الامتثال وهي منتفية، من جهة أنّ الواجب عليه هو الفرد الأهمّ، فالمكلّف عاجز شرعاً عن امتثال الواجب المزاحم المهم، فهل يمكن الكشف عنه عن طريق مفاد المادّة بعد سقوط اطلاق الهيئة لكونها مشروطة بالقدرة ؟ هنا وجوه:
الوجه الأوّل
يقول الميرزا ـ كما في ( أجود التقريرات )(1) ـ بعدم تبعيّة إطلاق المادّة لإطلاق الهيئة، وتوضيح هذه الدعوى هو: إنّ قول المولى « صلّ » مشتمل على مادة وهو الواجب الذي تعلّق به الحكم، وعلى هيئة وهو الحكم أي الوجوب… وكلٌّ منهما صالحٌ للتقييد بالقدرة أو غيرها من القيود، وللإطلاق برفض القيود كلّها، فإن أخذ المولى في خطابه القدرة على الواجب، كأن يقول: إنْ قدرت فصلّ، فقد اعتبرت القدرة الشرعيّة إلى جنب القدرة العقليّة ـ المعتبرة بحكم العقل على مسلك المحقّق الثاني، أو باقتضاء الخطاب على مسلك الميرزا ـ وكشفت عن دخلها في الغرض من الصّلاة، وإنْ لم يأخذها كشف ـ عدم أخذها ـ عن عدم دخلها في الغرض.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الوجوب….
لكنّ المفروض أنّه مع التزاحم بالأهمّ، لا وجوب بالنسبة إلى المهمّ وهو الصّلاة، فلا اطلاق للهيئة، لكون وجوب الصّلاة مقيّداً بالقدرة، وحينئذ، يأتي البحث عن أنّه إذا سقط إطلاق الهيئة يسقط بتبعه إطلاق المادّة أو لا ؟
فذهب الميرزا إلى بقاء المادّة على إطلاقها، وأنّه كاشف عن أنّ الغرض قائم بالجامع بين المقدور وغير المقدور، فيكون الفرد المزاحم ـ وإن كان غير مقدور ـ واجداً للملاك بمقتضى الإطلاق، ويمكن الإتيان به بقصده.
هكذا قرّب الأُستاذ هذا الوجه.
وفي ( المحاضرات ): إنّ الفرد المزاحم تام الملاك حتى على القول بكونه منهيّاً عنه، لأنّ النهي المانع عن التقرّب بالعبادة، هو الذي ينشأ من مفسدة في متعلّقه وهو النهي النفسي، وأمّا النهي الغيري، فبما أنّه لا ينشأ من مفسدة في متعلّقه، لا يكشف عن عدم وجود الملاك في المتعلّق. فبضم هذا إلى كبرى كفاية قصد الملاك، تتمّ صحة عباديّة الفرد المزاحم(2).
(1) أجود التقريرات 2 / 25 ـ 26.
(2) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 371.