التنبيه الرابع
( في الترتب في التدريجيات )
هل تجري مسألة الترتب في الواجبين التدريجيين أو أحدهما تدريجي والآخر آنيّ أو لا ؟
والكلام في ثلاث صور:
1 ـ أن يكونا تدريجيين.
2 ـ أن يكون الأهم آنيّاً والمهم تدريجيّاً.
3 ـ أن يكون المهم آنيّاً والأهم تدريجيّاً.
فإن كان الأهمّ آنيّاً والمهم تدريجيّاً، كان الجزء الأوّل من المهم التدريجي مزاحماً للأهم الآني، فعلى الترتّب يكون وجوب هذا الجزء مشروطاً بمعصية الأمر بالأهم الآنيّ، وتكون معصيته شرطاً مقارناً للوجوب الفعلي للمهم، فإن عصى الأهم وأتى بالمهم صحّ… ولا كلام.
وإن كان المهم والأهم تدريجيّين، وقع الإشكال والبحث ـ بالإضافة إلى مسألة الترتب ـ من جهة لزوم الإلتزام بالشرط المتأخّر أو بالواجب المعلّق. إذن، يتوقّف الفتوى بصحّة العمل ـ علاوةً على القول بالترتب ـ بالإلتزام بالشرط المتأخّر.
وذلك: لأنّ المفروض أن هنا واجبين تدريجيّين كإزالة النجاسة من المسجد في أوّل الوقت ـ وهي الأهم ـ والصّلاة وهي المهم، ومن الواضح أنّ فعليّة الأمر بالصّلاة متوقفة على معصية الأمر بالإزالة، لكن معصيتها تدريجيّة، وتستمرّ إلى آخر الصّلاة، بأن يُعصى الأمر بالإزالة في وقت التكبير والقيام والركوع والسجود… وهكذا إلى التسليم، ولولا معصية الإزالة في وقت كلّ جزء فلا فعليّة للجزء… وعليه، فإنّ فعليّة الأمر بالتكبيرة مشروطة بعِصيان الأمر بالإزالة في وقت الأجزاء اللاّحقة لتكبيرة الإحرام، وهذا معناه الإلتزام بالشرط المتأخّر.
كما يلزم الإلتزام بالواجب المعلّق، لأنّ فعليّة الوجوب للتكبيرة متوقفة على امكان الواجب المعلّق، لأنّ وجوب الجزء الآخر للواجب التدريجي استقبالي، ولولا وجوبه لما ثبت وجوب لتكبيرة الإحرام.
فظهر أنّ تصوير الترتّب في هذه الصّورة يتوقّف على القول بالشرط المتأخّر والقول بالواجب المعلّق، فمن قال بجوازها كلّها فهو في راحة، ومن قال بالترتب وأنكر الشرط المتأخّر والواجب المعلّق ـ كالميرزا قدّس سرّه ـ لم يمكنه إجراء الترتب، وكان مورد الترتب المتزاحمين الآنيّين فقط، كإنقاذ الغريقين وما شابه ذلك.
تفصّي الميرزا
لكن الميرزا قدّس سرّه تفصّى عن هذه المشكلة(1) بأنّ مشكلة التزاحم كانت من ناحية عدم القدرة على امتثال كلا الأمرين، فكان القول بالترتّب ـ بأن يكون شرط التكليف بالأمر بالمهم هو عصيان الأمر بالأهم ـ هو الطريق لحلّ المشكلة، لأن اشتراط التكليف بالقدرة حكم عقلي، وهو يرى أن بتحقّق هذا الشرط يتحقّق الامتثال….
وعلى هذا، فإنّ الشرط ـ في صورة التدريجيّين ـ هو القدرة على الجزء الأوّل من أجزاء الواجب التدريجي المتعقّبة بالقدرة على سائر أجزائه، فشرط وجوب الصّلاة ـ مثلاً ـ هو القدرة على التكبيرة المتعقّبة بالقدرة على سائر أجزائها حتى التسليمة، وهذا العنوان ـ عنوان التعقّب ـ حاصل بالفعل، فيندفع بهذا البيان محذور الالتزام بالشرط المتأخّر، فيكون شرط فعليّة وجوب الأمر بالمهم عصيان الأمر بالأهم في الآن الأوّل متعقّباً بعصيانه في بقيّة الآنات، وقد فرض تحقّق عصيانه في آن أوّل امتثال الأمر بالمهم المتعقّب بعصيانه في سائر أزمنة امتثال المهم، فيكون من الشرط المقارن لا من الشرط المتأخر.
اشكال السيد الخوئي
وقد أشكل عليه في ( المحاضرات ): بأن لا محصّل لجعل عنوان التعقّب هو الشرط، لعدم الدليل عليه(2).
دفاع الأُستاذ عن الميرزا
فقال الأُستاذ: بأن كلام الميرزا دقيق، وذلك، لأن أساس حكم العقل هو استحالة تعلّق الأمر بالضدّين، للزوم التكليف بالمحال أو التكليف المحال، وأساس ذلك هو عجز المكلّف عن الامتثال، فكان الحاصل عدم وجود القدرة على امتثال الأمر بالمهم، أمّا مع عصيان الأمر بالأهم فالقدرة تحصل، وإذا حصلت تحقق الشرط لوجوب المهم، فيجب امتثاله… وهذا هو الأساس في نظرية الترتب.
وعليه، فإن العصيان للأهم إنما يكون شرطاً للمهم من جهة حصول القدرة على المهم بذلك، وإلاّ فالمكلّف عاجز عن امتثاله، ففي المورد الذي يستمرّ فيه الأمر بالأهم إلى آخر جزء من أجزاء المهم، ـ كما هو الفرض في الإزالة بالنسبة إلى الصّلاة ـ تتحقّق القدرة على المهم فيما إذا استمرت معصية الأهمّ إلى الآخر، وإلاّ، فلا تحصل القدرة التي هي شرط التكليف بالمهم بحكم العقل، فيعتبر في فعليّة وجوب الصّلاة القدرة المستمرة، وهي لا تتحقّق إلاّ بالعصيان المستمر للأمر بالإزالة، ومع فرض تعقّب معصية الجزء الأوّل من الأهم، أو المعصية في الآن الأول من آناته بالمعصية إلى الآن والجزء الأخير، تكون القدرة على المهمّ حاصلةً على الصّلاة، ويحكم العقل بوجوب الامتثال.
وإن كان الأهم تدريجياً والمهم آنيّاً… فالإشكال على حاله، لأنّ المفروض استمرار الأهم، وبالإشتغال به من الآن الأوّل تنتفي القدرة على المهم الآني.
(1) أجود التقريرات 2 / 98 ـ 99.
(2) محاضرات في أُصول الفقه 2 / 406 في الدليل اللّمي على الترتّب.