الطريق الرّابع
إنّ الواجب التخييري ما كان وجوبه مشوباً بجواز الترك إلى بدل. ذهب إليه المحقق الإصفهاني رحمه اللّه(1).
إن قيل: فما الفرق بين هذا الطريق وطريق صاحب الكفاية ؟
قلنا: إنّ المحقق الخراساني قد اختار ذلك على أساس قوله بتباين الأغراض، أمّا المحقق الإصفهاني فقد ذهب إلى ما ذكر سواء كانت متباينة أو متسانخة، فالإختلاف بينهما في منشأ الجعل، كما بينهما اختلاف في التخيير كما سيظهر.
وتوضيح هذا الطريق:
أوّلاً: إنه يمكن أن يكون الغرض في كلّ من العتق والإطعام والصّوم من سنخ واحد، ويكون لزوميّاً، فالمقتضي لكونه لزوميّاً موجود ـ وإلاّ لما كان هناك وجوب ـ إلاّ أنّ مصلحة الإرفاق والتسهيل على المكلّفين قد زاحمت هذا الغرض اللّزومي في حدّ الجمع بين الأُمور لا في حدّ جميع الأُمور، وكان مقتضى الجمع أن لا يجب الإتيان بالجميع كما لا يجوز ترك الجميع… وهذا معنى كون وجوب كلٍّ من الأُمور مشوباً بجواز تركه إلى البدل. وقد لا يكون الغرض قابلاً للإرفاق فلا يقع التزاحم بين مصلحة التسهيل ومصلحة الأُمور، فيجب الجميع كما في كفارة الجمع، خلافاً للمحقق الخراساني القائل بعدم إمكان تحقق الغرضين أو الأغراض في الخارج، لكونها متباينة.
وثانياً: إنّ الأغراض قد يكون لها وحدة نوعيّة، كما هو الحال بين الإطعام والعتق، فإن الغرض الجامع بينهما هو الإحسان، وقد تكون متباينة كما هو الحال بين العتق والصّوم… خلافاً للمحقّق الخراساني القائل بالتقابل بين الأغراض دائماً.
وثالثاً: إنه يظهر مما تقدّم عدم توجّه الإشكال الوارد على المحقق الخراساني، من أن لازم كلامه أن لا يكون المكلّف ممتثلاً لو جمع بين الأفراد مع أنه ممتثل يقيناً، لأنّ المحقق الإصفهاني لم يؤسّس طريقه على التقابل بين الأغراض، بل ذهب إلى إمكان تحقّقها، لأنّ المزاحم ليس إلاّ مصلحة التسهيل، فكان المكلّف مرخّصاً في ترك الغرضين، لا ممنوعاً من الجمع بينهما.
(1) نهاية الدراية 2 / 271.