البرهان الأخير
والبرهان الأخير على عدم مقدميّة عدم أحد الضدّين لوجود الضدّ الآخر هو: ما أشار إليه صاحب الكفاية(1) في قوله: « والمانع الذي يكون موقوفاً على عدم الوجود هو ما كان ينافي ويزاحم المقتضي في تأثيره، لا ما يعاند الشيء ويزاحمه في وجوده ».
وقد قرّبه المحقّق النائيني(2) وهو أقوى البراهين في الردّ على المشهور. وهذا كلام الميرزا بإيضاح أكثر:
إنّ الضدّين قد لا يكون لهما مقتض وقد يكون لكليهما وقد يكون لأحدهما دون الآخر، فالصّلاة والإزالة، قد تتعلّق الإرادة بكليهما ـ من شخصين ـ وقد لا تتعلّق بشيء منهما، وقد تتعلّق بأحدهما فقط، والسواد والبياض كذلك، فقد يكون لوجودهما في المحل مقتض وقد لا يكون وقد يكون لأحدهما.
هذه هي الصور المتصوّرة.
فإن لم يكن لشيء منهما مقتض فلا مانعيّة، لما تقدّم من أنّ المانعيّة تأتي في مرتبة متأخّرة عن المقتضي، وعدم المعلول يستند حينئذ إلى عدم المقتضي لا وجود المانع.
وإن كان لأحدهما مقتض دون الآخر، فكذلك، إذ مع عدم وجود المقتضي يستحيل إستناد عدم الضدّ إلى وجود المانع.
وإنْ كان كلٌّ منهما ذا مقتض، قال الميرزا: هذا محال، لما تقدّم من استحالة وجود المقتضي للضدّين، لأنّه يستلزم إمكان المحال، والمحال بالذات يستحيل انقلابه إلى الإمكان.
وإذا ظهر استلزام كلّ صورة للمحال، فمقدّميّة عدم الضدّ للضدّ الآخر محال.
قال الأُستاذ: لكنْ قد تقدّم تحقيق أنّ وجود المقتضي للضدّين ليس بمحال، إذ المقتضي للضدّين غير المقتضي للجمع بينهما، فالصّورة الثالثة باقية… والطريق الصحيح هو أن نقول:
إنّه في هذه الصّورة، لا يخلو الحال من أن يكون المقتضيان متساويين أو يكون أحدهما أقوى من الآخر.
فإن كانا متساويين، استند عدم الضدّ إلى عدم تماميّة المقتضي في الأثر، لا إلى وجود المانع، لأنّ المؤثر ليس مجرّد وجود المقتضي، بل هو المقتضي الفعلي في المؤثريّة، لما تقدّم من تقسيم المقتضي إلى الشأني والفعلي، وأنّ الأثر يكون للمقتضي التام في المؤثريّة، فكان عدم الضدّ ـ في صورة تساوي المقتضيين ـ مستنداً إلى عدم الشرط للمقتضي وهو الفعليّة، لا إلى وجود المانع… وعليه، فيستحيل أن يكون وجود الضدّ مانعاً عن الضدّ الآخر، بل عدم الضدّ الآخر مستند إلى عدم توفّر شرط المقتضي للتأثير، لأنّ المفروض تساويه مع المقتضي الآخر وكونهما متزاحمين في الوجود… فيكون المانع عن وجود الضدّ هو المقتضي للضدّ الآخر، لا نفس الضدّ الآخر.
وإن كان أحد المقتضيين أقوى من الآخر، فإنّ عدم الضدّ يكون مستنداً إلى ضعف المقتضي لوجوده، لا إلى وجود الضدّ المقابل.
وهذا شرح قول المحقّق الخراساني من أنّه ليس كلّ معاندة منشأً للمانعيّة.
قال الأُستاذ: وهذا البرهان تام بلا كلام.
وأقول:
في هذا البرهان في صورة تساوي المقتضيين نظر، فإنّه في هذه الصّورة ما البرهان على استناد العدم إلى شأنيّة المقتضي لا إلى وجود الضدّ الآخر ؟
وتلخص: بطلان مبنى المشهور، لما ذكره صاحب الكفاية في الكلام على الدور، من أنّه وإن اندفع لزومه بما ذكره المحقّق الخونساري، لكنّ ملاك الاستحالة موجود.
وبه يبطل التفصيل، وهو أنّ عدم ذلك الضدّ متوقّف على وجود الضدّ الآخر، إذ قد ظهر أنّ عدم الضدّ مستند إلى عدم المقتضي لوجوده لا إلى المانع وهو وجود الضدّ الآخر.
وكذا التفصيل: بأنّ وجود هذا الضدّ متوقّف على عدم الضدّ الآخر وعدم ذاك موقوف على وجود هذا.
وبقي:
(1) كفاية الأُصول: 132.
(2) أجود التقريرات 2 / 12 ـ 13.