الإشكال الرابع
إن الفرد المهمّ من المتزاحمين ـ كالصّلاة مثلاً ـ إذا وجب بالترتّب حرم تركه بناءً على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ العام، ولا أقلّ من مبغوضيّة الترك، لكنّ هذا الترك تارةً: هو خصوص ما لا ينتهي إلى فعل الأهم ـ وهو الإزالة ـ وتارةً: يكون أعمّ من الموصل إلى فعل الأهم وغير الموصل إليه.
فإن كان المحرّم هو مطلق الترك ففيه:
أوّلاً: إن ذلك ينافي أهميّة الأهم، لأن حرمة ترك المهم مطلقاً ـ حتى المنتهي إلى فعل الأهمّ ـ معناه رفع اليد عن الأهم حتى لا يقع في ترك الحرام، وهذا ينافي أهميّة الأهم.
وثانياً: إنه بناءً على الترتّب، يكون فعل المهم في فرض ترك الأهمّ، فكيف يكون الحرام هو ترك المهم المجامع لفعل الأهم ؟ إذن… بناءً على الترتب لا يمكن أن يكون الترك المحرّم للمهمّ هو الترك المطلق.
وإن كان الترك المحرّم هو الترك الذي لا يوصل إلى فعل الأهم، فهذا أيضاً محال، لأنّ ترك المهمّ غير الموصل إلى فعل الأهم إن كان حراماً كان نقيضه واجباً، ونقيض الترك غير الموصل هو « ترك الترك غير الموصل »، وهذا له لازمان، أحدهما: فعل المهمّ. وثانيهما: الترك الموصل لفعل الأهم، ( قال ) وإنما قلنا بكونهما لازمين ولم نقل بكونهما فردين، لأنّ « ترك الترك غير الموصل » أمر عدمي، وفعل المهم وجودي، والوجودي لا يكون مصداقاً للعدم والعدمي، وإذا كانا من اللّوازم، فقد ثبت أن حكم الملازم لا يسري إلى الملازم، فإنّ « ترك الترك غير الموصل » لمّا كان واجباً، فإنّ هذا الحكم ـ وهو الوجوب ـ لا يسري إلى ملازمه ـ وهو المهم ـ فمن المحال أن يكون المهم واجباً. وإذا استحال وجوب المهم بطل الترتب من الأساس.
( قال ) ولو تنزّلنا وقلنا بجواز أن يكون فعل المهمّ مصداقاً « لترك الترك غير الموصل » فالإشكال موجود كذلك، لأنّه كما كان فعل المهم مصداقاً فيكون واجباً، كذلك تركه الموصل لفعل الأهم مصداق فيكون واجباً، وإذا تعدّد فرد الواجب كان الوجوب تخييريّاً، والمفروض في الترتب كون وجوب المهم تعييناً لا تخييريّاً.
جواب المحقق الإصفهاني
أجاب بأنا نختار كلا الشقّين ولكلّ جواب.
أمّا الشق الأوّل، فنسلّم بحرمة نقيض الواجب ووجوب نقيض الحرام، إلاّ أن الواجب هو فعل المهم، لكن لا فعله على كلّ تقدير، بل على أحد التقادير وهو ترك الأهم، فلا يكون نقيضه الترك المطلق ليشمل الترك المنتهي إلى فعل الأهم، فكان الحرام هو خصوص ترك المهم الذي هو في تقدير ترك الأهم.
جواب الأُستاذ
هذا الذي أفاده المحقق الإصفهاني ناظرٌ إلى الشق الثاني من كلام الميرزا الكبير، والصحيح أن يقال في الجواب عنه:
أولاً: إنّ الأصل هو وجوب المهم وليس حرمة النقيض ـ وإن عكس الميرزا وجعل حرمة النقيض هي الأصل ـ ووجوبه على ما تقدّم بالتفصيل مشروط بترك الأهم، فيقتضي ـ بناءً على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن النقيض ـ حرمة ترك المهم على تقدير حرمة الأهم، ولا يمكن أن يقتضي حرمة الترك المطلق، لأنّ المفروض كون الواجب خاصّاً غير مطلق، وكما كان الأصل ـ وهو وجوب المهم ـ ترتبّياً فحرمة ضدّه أيضاً ترتبيّة لكونها متفرعةً عليه… فلا يبقى محذور.
وثانياً: لو تنزّلنا، وجعلنا الأصل حرمة ترك المهم، ويتفرّع عليه وجوب المهم، فإنّ الأمر لا ينتهي إلى الوجوب التخييري، لأنّ الحرام على القول بالترتّب ليس ترك المهم حتى الترك الموصل لفعل الأهم ـ لأن هذا خلف فرض الترتّب ـ بل إن الحرام هو تركه غير الموصل لفعل الأهم، وإذا كان كذلك، فإنّ نقيضه هو ترك الترك غير الموصل، وهذا لا يتحقق إلاّ بفعل المهم، ولا يقبل الاجتماع مع الترك الموصل لفعل الأهم، فتبيّن أن ليس للاّزم أو النقيض فردان، ليرجع الأمر إلى الوجوب التخييري.
فالصحيح أن نختار هذا الشق ونجيب عنه بما ذكرناه، فإشكاله غير وارد حتى لو قلنا باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضدّ العام.
Menu