الوجه الثالث: إنّ الخطاب المترتّب على عصيان خطاب آخر، إنما يكون فعليّاً عند تنجّز الخطاب المرتّب عليه وعصيانه، وبما أنّ المفروض فيما نحن فيه توقف صحّة العبادة الجهريّة ـ مثلاً ـ على الجهل بوجوب الإخفات، لا يتحقق هناك عصيان للتكليف بالإخفات ليتحقق موضوع الخطاب بالجهر، لأن التكليف الواقعي لا يتنجّز مع الجهل به، وبدونه لا يتحقق العصيان الذي فرض اشتراط وجوب الجهر به أيضاً.
هذه عبارته.
وبعبارة أُخرى: إن شرط التكليف هو الوصول، وما لم يصل لم يصر فعليّاً، والجاهل المقصّر لا يتحقّق في حقّه هذا الشرط، فلو كان الخطاب الترتّبي إليه كأنْ يقول: يجب عليك الإخفات فإن عصيت فعليك الجهر، كان وجوب الإخفات عليه في صورة التفاته إلى العصيان، وإلاّ فالشرط غير واصل فلا يعقل فعليّة التكليف، وبمجرّد الالتفات منه إلى العصيان صار متعمّداً، فينعدم موضوع الخطاب الترتّبي.
إشكال السيد الخوئي
أجاب السيد الخوئي: بأن المدار في الترتّب على ترك الأهمّ لا على عصيانه، وخطاب الإخفات مشروطاً بترك الجهر قابل للوصول، إذ الجاهل المقصّر ملتفت إلى كونه تاركاً للجهر.
أجاب الأُستاذ
بأن ما ذكر صحيح كبرويّاً، فالترتب لا يتوقف على العصيان، لكنّ كاشف الغطاء عبّر بالعصيان قال: « كل مولى مطاع يمكنه القول: يجب عليك الجهر فإن عزمت على المعصية وجب عليك الإخفات » فإشكال الميرزا وارد من هذه الناحية، لأن العزم على المعصية يستحيل وصوله ولو التفت صار متعمّداً.
لكن لا يخفى أن الميرزا يقول بـ« العصيان » وكاشف الغطاء يقول « بالعزم » فنقول:
إنّ القول باشتراط العزم وإن كان هو الصحيح المختار في الترتّب ـ كما تقدّم ـ لكنّ كاشف الغطاء لا يمكنه إجراء الترتب، لأنه يقول أيضاً باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن جميع الأضداد الوجوديّة للشيء، فإذا أُمر بالإزالة فقد نهي عن الصّلاة، ومع النهي عنها كيف تكون مأموراً بها بالعزم على معصية الأمر بالإزالة ؟
فتصحيح العبادة عن طريق الترتّب ـ كما ذكر كاشف الغطاء ـ موقوف على أن يرفع اليد عن المبنى المذكور، لأنه لا يتمشّى الترتّب معه، وهذا هو الإشكال الوارد عليه قدّس سرّه بناءً على مبناه في اشتراط العزم على المعصية في الترتّب.
وهذا تمام الكلام على التنبيه الأوّل.
Menu