أقول:
وبهذا التقريب الذي استفدناه من شيخنا الأُستاذ دام بقاه تندفع خدشة سيدنا الأُستاذ، حيث أنه أورد كلام المحقّق الإصفهاني وذكر اشتماله على ثلاثة إيرادات على الكفاية، ثم قال: والإنصاف أنّ هذه الوجوه مخدوشة كلّها، ووجه الاندفاع هو أنّ مناقشته للكلام المذكور إنما جاءت على مقتضى القاعدة، من جهة أنّ النفسيّة يحتاج إلى بيان كالعدميّة، لأنّ كلاًّ منهما قيد زائد على أصل الوجوب، ولا وجه لدعوى أنّه لا يحتاج إلى بيان زائد بعد أن كان قيداً كسائر القيود الوجوديّة أو العدميّة(1).
لكنّ الإرتكاز العرفي الذي أشار إليه المحقق الإصفهاني بقوله: « فما يحتاج إلى التنبيه عرفاً كون الوجوب لداع آخر غير الواجب » هو الوجه للدعوى المذكورة، وقد وقع الغفلة عنه.
فما أفاده المحقق الإصفهاني لا محذور فيه، لكنه ـ كما قال شيخنا ـ متّخذ من كلام صاحب الكفاية في مبحث الإطلاق والتقييد(2)… وبيان مطلبه هناك هو:
إنّ الإطلاق يفيد تارة: الشمول والعموم الاستيعابي، وأخرى: العموم البدلي، وثالثة: خصوصيّة أُخرى، غير الشموليّة والبدليّة.
مثال الأوّل: قوله تعالى ( أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ )(3)، فإنّه يفيد حليّة البيع عامّة.
ومثال الثاني: قولك: بع دارك، فإنّه أمر ببيع داره ويفيد جواز البيع بأيّ نحو من الأنحاء اختار هو، على البدليّة، وليس يفيد العموم الاستيعابي، فإنّه غير ممكن كما لا يخفى.
ومثال الثالث: قول المولى: « توضّأ » من غير أنْ يعلّق الوجوب على شيء… فهنا ليس الإطلاق من قبيل الأوّلين، وإنّما هو لإفادة خصوصية أنّ وجوبه ليس لغيره، لأن خصوصيّة الغيريّة هي المحتاجة إلى البيان، وأمّا النفسيّة فيكفي فيها عدم البيان على الغيريّة، فكان الإطلاق ـ بمعنى عدم إقامة القرينة على إرادة الغيرية ـ يقتضي النفسيّة.
(1) منتقى الأُصول 2: 217.
(2) كفاية الأُصول: 252 تحت عنوان: تبصرة لا تخلو من تذكرة.
(3) سورة البقرة: الآية 275.