إشكال الأُستاذ
وأشكل عليه الأُستاذ: بأنّ المعتبر في المستصحب أن يكون حكماً شرعيّاً أو موضوعاً لحكم شرعي مجعول أو موضوعاً للحكم العقلي بمناط عدم لغويّة التعبّد فإنّه ـ وإن لم يكن المستصحب حكماً أو موضوعاً لحكم ـ يكفي لأن يكون للإستصحاب أثر في الإشتغال أو الفراغ، فلا يكون التعبّد به لغواً.
لكن استصحاب الكلّي هنا لا تتوفّر فيه هذه الضابطة، لأنّ هذا الكلّي الذي يراد إجراء الاستصحاب فيه ـ وهو الجامع الإنتزاعي بين الوجوب النفسي والوجوب الغيري ـ ليس بمجعول شرعي، إذ المجعول من قبل الشارع إمّا الوجوب النفسي أو الوجوب الغيري(1)، ولا هو موضوع لحكم شرعي كما لا يخفى، وهل هو موضوع للحكم العقلي على ما ذكر ؟ كلاّ… وذلك: لأنّ الحكم العقلي إنّما يتحقّق في الجامع بين الواجبين النفسيّين وإنْ كان جامعاً انتزاعيّاً، لأنّ موضوع حكمه هو استحقاق العقاب على المخالفة، فلو كان واجبان نفسيّان تردّد أمرهما بين مقطوع الزوال ومقطوع البقاء، جرى استصحاب الكلّي الجامع بينهما، وأفاد وجوب الإتيان بالجامع وترتيب الأثر عليه، لحكم العقل باستحقاق العقاب على المعصية.
أمّا في محلّ البحث، فأحد الوجوبين نفسي والآخر غيري، والواجب الغيري لا يحكم العقل باستحقاق العقاب على تركه، فإحدى الحصّتين من الكلّي غير محكومة بحكم العقل باستحقاق العقاب على تركها، فكيف يتمّ إجراء الاستصحاب في الجامع لتحقيق الحكم العقلي ؟
فتلخّص: عدم تماميّة الإستصحاب في الكلّي الانتزاعي أي: الوجوب الجامع بين النفسي والغيري. نعم، لو صحّ جريانه في الفرد المردّد لتمّ ما ذكره المحقّق الإيرواني، لكنّه أجلّ شأناً من أن يقول بذلك.
(1) والفرق بين الأمر الخارجي الواقعي والأمر الإعتباري هو: إنّ الكلّي قابل للجعل بتبع جعل الفرد له، فجعل زيد هو جعلٌ للإنسان أيضاً، إذ الكلّي الخارجي موجود بوجود فرده. أمّا الإعتباري فليس له طبيعي أي الجنس، وليس له فرد أي النوع، حتى يجعل له الكلّي، بل الجامع في الاعتبارات هو الجامع الإنتزاعي العقلي.