مختار الاستاذ:
وقال الاستاذ دام بقاه في الدورة اللاّحقة: بأنّ الحق مع المحقّق الخراساني، لعدم مجيء مدّعى القول الثاني إلى ذهن أحد ممن سمع قول الإمام عليه السلام «يعيد الصلاة» ونحوه، أو رواه، بل إن مفاد هذه الجملة ـ في قول الإمام ذلك كما في الخبر، جواباً عن السؤال عن حكم الصّلاة الواقع فيها الخلل الكذائي ـ نفس مفادها في مقام الإخبار، والمستعمل فيه في كلا المقامين هو الإعادة، غير أنّ القرائن الحاليّة أو المقاميّة أفادت أنّ الداعي للإستعمال في مثل مورد الجواب عن السؤال المزبور مثلا هو الطلب، ولمّا كان استعمال الجملة بهذا الداعي، فلا مجال لتوهّم لزوم الكذب.
ويبقى الكلام في وجه دلالة الجملة الخبريّة في مقام الطلب مثل «يعيد»، على الوجوب، فإنّ ما ذكره المحقق الخراساني من أن نفس الإتيان بالجملة يكفي للدلالة على كون الطلب لزوميّاً لا يرضى المولى بمخالفته، غير واف بالمدّعى، بل الحق أنّ الدلالة إنما هي بالسيرة العقلائيّة، القائمة على الطلب الجدّي اللّزومي، ما لم تقم قرينة على الخلاف… وتوضيح ذلك:
إنه وإنْ كان الأصل في السيرة العقلائيّة عدم التعبّد، لكنّ المفروض أنّ مدلول الجملة هو النسبة البعثيّة ـ إمّا بنحو الإيجاد أو بنحو الإبراز، على الخلاف ـ وحينئذ، فإنّ الوجود الإعتباري للبعث لابدّ وأنْ يكون واجداً لآثار الوجود التكويني له، لكونه نازلا منزلته، كما هو الحال في جميع التنزيلات، ولا أقل من وجود الآثار الظاهرة، وإلاّ لم يكن للتنزيل معنى، فمثلا: عندما جعل الله سبحانه في آية المباهلة(1) عليّاً عليه السلام نفس الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو جعل اعتباري بلا ترديد ـ فإنّه يقتضي وجود الآثار المتحقّقة في النفس النبويّة في نفس الإمام عليه السلام إلاّ ما خرج عقلا أو نقلا، لأنّ النفس الولويّة أصبحت بمنزلة النفس النبويّة، وكذا الحال في مثل «الطواف بالبيت صلاة»… وهكذا، فإن الآثار ـخاصّةً البيّنة منها ـ لابدّ وأنْ تترتّب، إلاّ مع قيام القرينة على العدم،…
وعلى هذا، فإنّ من أظهر آثار البعث التكويني هوالإنبعاث، للتلازم الواضح بينهما، وهذا الأثر لابدّ من أن يترتّب على البعث الإعتباري، سواء كان بالصّيغة أو بالجملة، سواء على مبنى المشهور من أن صيغة إفعل مثلا تدل على الإيجاد ـ أي إيجاد الطلب ـ، أو على مبنى المحقق الإصفهاني من أنها بعثٌ بالجعل والمواضعة، أو على المختار من أنها مبرزة للبعث الإعتباري ـ وليست موجدة… والحاصل: إن أظهر آثار البعث التكويني هو التلازم بينه وبين الإنبعاث من ناحية الباعث، فلا يمكن أنْ يكون بعثٌ بدون انبعاث من ناحية الباعث، فيكون الحال في البعث الإعتباري كذلك، لكونه قائماً مقام التكويني ومنزّلا بمنزلته… إلاّ إذا جاء من قبله المرخّص للترك، وهذا خلاف الأصل.
فظهر: أن الدالّ على الوجوب هو السيرة العقلائيّة، والسرّ في ذلك هو عدم التفكيك والانفكاك بين البعث والإنبعاث من ناحية الباعث… وهذا عين الوجوب… خذ واغتنم.
(1) سورة آل عمران: 61.