الواجبات الشرعيّة هي بالضّرورة على قسمين، قسم: لا يحصل الغرض منه إلاّ إذا اُتي به بقصد القربة، وهذا هو التعبّدي، وقسم: يحصل منه الغرض بأيّ داع اُتي به، وهو التوصّلي. فمن الأوّل: الصلاة مثلا، ومن الثاني: دفن الميت المؤمن مثلا.
فتارةً: نحرز كون الواجب من هذا القبيل أو ذاك، واخرى: يقع الإشكال فيه، كما في العتق في الكفّارات مثلا، حيث يقع الكلام في سقوط الأمر به بمجرّد الإتيان به، أو أنه لابدّ فيه من قصد القربة… ولأجل وجود هذا القسم من الواجبات في الشريعة المقدّسة، عقد هذا البحث، لأن المفروض عدم وضوح حاله من جهة الأدلّة، فتصل النوبة إلى مقتضى الاصول.
والأصل في هذا المقام: إمّا الأصل اللّفظي، وإمّا الأصل العملي، والأصل اللّفظي، إمّا داخلي وإمّا خارجي، كما أن الأصل العملي إمّا شرعي وإمّا عقلي… والمقصود من الأصل اللّفظي الداخلي هو إطلاق الصيغة، ومن الأصل اللّفظي الخارجي هو الأدلّة اللّفظية من الكتاب قوله تعالى: ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ )(1) أو السنّة مثل قوله عليه الصّلاة والسلام: «لا عمل إلاّ بنيّة»(2).
فيقع البحث في جهات:
1 ـ الإطلاقُ الداخلي
والمقصود من ذلك هو البحث عن مقتضى الأصل اللّفظي الداخلي، بأنْ ننظر هل للصيغة إطلاقٌ يصحّ لأن يكون رافعاً للشبهة ويوضّح حال الواجب من حيث التعبديّة والتوصليّة أو لا؟
ولابدّ من تحقيق حال الأصل اللّفظي الداخلي في مرحلتين، في مرحلة الثبوت، وأنه هل يمكن الإطلاق والتقييد أو لا، ثم في مرحلة الإثبات.
فإن حصلنا على أصل لفظي من الداخل فهو، وإلاّ فمن الخارج، وإلاّ فالأصل العملي، فنقول:
لو شككنا في واجب من الواجبات أنه توصّلي أو تعبّدي، فهل من إطلاق يثبت التوصّلية أو لا؟
وقبل الإجابة على ذلك، لابدّ من البحث في مقام الثبوت، وأنّه هل من الممكن وجود الإطلاق بالنسبة إلى قصد القربة أو لا؟
إن إمكان الإطلاق موقوف على إمكان التقييد، بناءً على أن التقابل بينهما من قبيل العدم والملكة، فكلّ مورد لا يمكن فيه التقييد فلا يمكن الإطلاق، كما في البصر، فالمورد الذي لا يمكن فيه البصر لا يمكن فيه العمى وهو عدم البصر في المورد القابل له ـ وعلى هذا المبنى طرح المحقّق الخراساني البحث، لكنّ البحث ينقسم إلى قسمين، هما: الإطلاق والتقييد بالأمر الأوّل، والإطلاق والتقييد بالأمر الثاني، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى، فالتقييد تارةً يكون بنحو القيد واخرى بنحو الجزء، بأنْ يكون قصد القربة في العمل قيداً له أو يكن جزءاً له، وهذا مقصود (الكفاية) من الشرطيّة والشطريّة.
(1) سورة الزمر: 11.
(2) وسائل الشيعة الجزء الأول، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.