مختار الاستاذ ودليله
الخامس: السيرة العقلائية.
فإنّ السيرة العقلائيّة قائمة على ترتيب الأثر إلزاماً على صيغة إفعل، وهي سيرة عامّة، غير مختصّة بالموالي والعبيد… كما تقدّم في مادّة الأمر.
وقد كان هذا هو المرتكز بين أصحاب الأئمة عليهم السلام، وتشهد به ضروراتٌ من الفقه.
فالوجوب ليس لفظيّاً ولا عقليّاً، بل هو عقلائي.
وممّا يشهد به في الفقه مسألة خيار الغبن، فإن المستند العمدة على ثبوت هذا الخيار هو تخلّف الشّرط، إذ الشرط الإرتكازي بين العقلاء في المعاملة هو المساواة بين الثمن والمثمن، فبناء العقلاء في سائر معاملاتهم على المساواة بينهما كاشف عن وجود هذا الشرط في كلّ معاملة، ولو مع عدم التلفّظ به في متن العقد.
فكما يكون البناء العقلائي هناك ذا أثر من هذا القبيل، ولدى التخلّف يستند إلى ذلك، كذلك البناء العقلائي فيما نحن فيه، على ترتيب أثر الوجوب والإلزام على صيغة إفعل، كاشف عن دلالتها على الوجوب.
وهذا هو التحقيق عند الاستاذ في الدورة اللاّحقة.
أقول:
ولكن، هل لهذه السيرة ملاك أو لا؟ وكيف تحقق مع العلم باستعمال الصيغة في الندب بقدر استعمالها في الوجوب إن لم يكن أكثر؟
ومن هنا يرجع المطلب إلى الإطلاق، بالبيان الذي ذكره في الدّورة السابقة. من أن الوجوب ـ في الحقيقة ـ أمر اعتباري منتزع من البعث وعدم الترخيص في الترك، وأنّ الندب أمر اعتباري منتزع من البعث والترخيص في الترك، فليس الوجوب والندب إلاّ أمرين منتزعين، هذا في الواقع، وكذلك الحال في مقام الإثبات عند العقلاء، فإنّهم يرون البعث من المولى وعدم ترخيصه في الترك منشأً لانتزاع الوجوب بلا حالة منتظرة، وعليه، فإن الندب هو المحتاج إلى البيان الزائد، أمّا الوجوب فلا، ومع الشك، يكون مقتضى الاطلاق هو الوجوب، فكان هذا الإطلاق هو الملاك لبناء العقلاء في حمل الكلام على الوجوب.
Menu