الحقُّ في الجواب
ثم قال شيخنا دام ظلّه: بأن الحق في الجواب عن الإستدلال بالآية والرواية وأمثالهما هو:
إن الأمر كما اُطلق في الكتاب والسنّة ودلّ على الوجوب، كذلك قد اُطلق في موارد لا يمكن حمل الأمر فيها على الوجوب، كما في قوله تعالى: ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ )(1) لوضوح أنّ مطلق العدل ومطلق الإحسان ليسا بواجبين، مع تعلّق الأمر بهما، ويؤيّد ذلك: الروايات الواردة في أنّ الأوامر الواردة عن الشارع منها: ما قام الدليل على الرخصة فيها، ومنها: ما ورد في النفل، ومنها: ما كان عزيمة.
وأضاف في الدورة اللاّحقة: أنّ الآية الكريمة ـ بالخصوص ـ قد طبّقها الإمام عليه السلام في غير مورد الوجوب، وذلك في رواية صحيحة:
قال الكليني رحمه الله: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه قال:
إشتريت إبلا وأنا بالمدينة مقيم، فأعجبتني إعجاباً شديداً، فدخلت على أبي الحسن الأوّل، فذكرتها له، فقال: ما لك وللإبل؟ أما علمت أنها كثيرة المصائب؟ قال: فمن إعجابي بها أكريتها، وبعثت بها مع غلمان لي إلى الكوفة، فسقطت كلّها، ثم دخلت عليه فأخبرته بذلك، فقال: ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(2).
فمن الواضح: أن شراء الإبل لم يكن بحرام، ولكنّ الإمام نهاه، فخالف الرجل النهي، ثم ابتلي بذهاب ماله، وهنا قرأ الإمام الآية المباركة مستشهداً بها، ليدلُّ على ترتّب الفتنة ـ أي البليّة الدنيوية ـ على المخالفة مع الإمام المعصوم في مورد غير الوجوب والحرمة، كما أنّ العذاب الأليم الأُخروي يترتب على مخالفة الوجوب والحرمة .
وبذلك يظهر سقوط الإستدلال بالآية للقول بدلالة الأمر على الوجوب.
(1) سورة النحل: 92.
(2) الكافي 6/543، كتاب الدواجن باب اتخاذ الابل. وانظر: كنز الدقائق 8/207 ـ 209 والآية في سورة النور: 63.