3 ـ تصوير المحقق الإصفهاني
وذهب المحقق الإصفهاني إلى أنّ الموضوع له لفظ الصّلاة ـ بناءً على الصحيح ـ هو الجامع التركيبي الذاتي المبهم .
والتركيبي ماله جزء ، ويقابله البسيط ، وهو تارةً : يكون جزآه موجودين بوجود واحد ، كالإنسان المركّب من الحيوان والناطق ، وهما موجودان بوجود واحد ، واخرى : يكونان موجودين بوجودين ، أو تكون أجزاء موجودة بوجودات وبينها وحدة اعتبارية ، ومانحن فيه من هذا القسم .
فالموضوع له « الصلاة » مركّب من الأجزاء ، وهي عبارة عن التكبيرة والركوع والسجود … فهو جامع تركيبي وهو ذاتي ، وليس بعرضي ، كما عليه صاحب ( الدرر ) وغيره ، وهو أيضاً مبهم ، بمعنى أنّ لكلّ جزء من أجزائه عرضاً عريضاً ، فالركوع مثلا يعمّ ركوع المختار إلى إيماء المحتضر ، والقراءة تشمل القراءة التامّة الكاملة … وما يقوم مقامها ، حتى الإخطار الحاصل في القلب بدلا عنها … وهكذا .
وذكر لمزيد من التوضيح لمعنى الإبهام : أن الإبهام في الوجود يختلف عن الإبهام في الماهيّة ، فهما فيه متعاكسان ، ففي الوجود كلّما ازدادت الشدّة نقصت السّعة والشمول والإطلاق ، فكلّما قوي الوجود كان الشمول أقل ، فالإنسان مثلا وجوده أشدّ من وجود الحيوان ، لكنه لا يصدق على الحيوان والنبات والجماد ، بخلاف الماهيّة فإنها بالعكس ، فكلّما ضعفت زادت سعتها ، فالجنس ـ كالحيوان أضعف من النوع ـ كالإنسان ـ ، لوجود التعقّل في الإنسان دونه ، إلاّ أنّ سعة الحيوان أكثر .
وعلى هذا ، فإن الماهيّة تصلح لشمول جميع الأفراد على الرغم من الاختلاف الكثير فيها كمّاً وكيفاً .
قالوا : والإبهام في الماهيّة يكون بالخصوصيّات الخارجة عنها ، فحقيقة الحيوان ـ مثلا ـ معلومة ، لكن الإبهام يقع من جهة العوارض ، وكذا الإنسان فإنه الحيوان الناطق ، إلاّ أن الإبهام يكون من حيث الكمّ والكيف والعوارض ، وكلّما كان الإبهام في الماهيّة أكثر كان الصدق أوسع .
إلاّ أن المحقق الإصفهاني ذكر عن بعض الأكابر ـ صدر المتألّهين ـ الإبهام والتشكيك في نفس الذات ، كأن تكون الشدة والضعف داخلةً في ذات ماهيّة البياض ، لا أن تكون من عوارضها .
قال : فهذا هو الجامع الموضوع له اللّفظ ، وإنْ لم يمكن لنا التعبير عنه إلاّ بخواصّه ، كما لو جعل لفظ « الخمر » لتلك الذات المبهمة من حيث الإسكار واللون ومنشأ الاتخاذ ، إلاّ أن تلك الذات مسمّاة بهذا الاسم .
فهو جامع مركّب لا بسيط ، خلافاً لصاحب ( الكفاية ) والمحقّق العراقي .
وهو جامع ذاتي وفاقاً لصاحب ( الكفاية ) وخلافاً لغيره .
قال شيخنا :
فما أورد عليه من أنه غير عرفي ، في غير محلّه ، فإنّ الموضوع له لفظ « الركوع » نفس هذا المعنى الذي يفهمه العرف ، غير أنه مبهمٌ بالمعنى المذكور ليشمل جميع الأفراد .
وكذا الإيراد بأنه ليس بجامع على الصحيح ، لأن الصّحيح ماهو الجامع لجميع الأجزاء والشرائط المعتبرة ، وماذكره غير منطبق عليه ، نعم ، هذه الصّلاة على اختلاف مراتبها صالحة للنهي عن الفحشاء ، فالجامع لم يكن على الصحيح .
وفيه : إن المحقق الإصفهاني يقول بأن مفاد الأدلّة كون الصلاة مقتضيةً للنهي عن الفحشاء لا أنها تنهى عنه بالفعل ، فيكون الموضوع له هو الناهي عن الفحشاء الإقتضائي لا الفعلي ، وهذا ينطبق على كلا القولين ، الصحيحي والأعمّى .
وكذا الإيراد باستلزام ماذكره للفرد المردّد ، وهو باطل .
ففيه : إنه يقول بأن المردّد لا ماهيّة له ولا هويّة ، لكنّ الإبهام في الماهيّة غير الإبهام في الفرد ، نعم لو كان الإبهام في الماهيّة ملازماً للإبهام في الوجود فالإشكال وارد ، لكن لا ملازمة ، فالركوع عبارة عن ذات لها مراتب ، فإذا وجدت تعيّنت بمرتبة منها ، فتوجد بركوع المختار أو بركوع المضطر ، وهكذا … ومثله النور واللّون…
Menu