2 ـ 3 صحّة الحمل وعدم صحّة السّلب
قالوا : إن صحة الحمل وعدم صحة السلب علامتان للحقيقة ، وعدم صحة الحمل وصحة السلب علامتان للمجاز .
وتوضيح ذلك :
إن الحمل على ثلاثة أقسام : حمل هو هو ، حمل ذو هو ، الحمل الاشتقاقي ، مثال الأول : زيد إنسان ، والثاني : الجدار ذو بياض ، والثالث : الجدار أبيض .
وفي تقسيم آخر ـ وهو المقصود هنا ـ : ينقسم الحمل إلى قسمين :
1 ـ الحمل الأوّلي .
2 ـ الحمل الشائع الصناعي .
ولابدَّ في كلّ حمل من وحدة بين الموضوع والمحمول من جهة ، ومن تغاير بينهما من جهة اخرى ، ففي الحمل الأوّلي الذاتي يكون الإتحاد بينهما في المفهوم والتغاير بالإعتبار ، مثل قولنا : الإنسان حيوان ناطق ، فباللّحاظ الإجمالي هو « الإنسان » وباللّحاظ التفصيلي هو « الحيوان الناطق » . أما في الحمل الشائع ، فالإتحاد بينهما يكون في المصداق ، والتغاير في المفهوم ، كقولنا : زيد إنسان .
والحمل بكلا قسميه علامة للحقيقة ، أمّا في الحمل الأوّلي : فإنا إذا جهلنا معنى اللّفظ ، نجعله محمولا للّفظ الذي نعلم بمعناه ، فإن صحّ الحمل من دون قرينة في البين ، ظهر كون الموضوع والمحمول في تلك القضيّة بمعنى واحد ، وتبيّن المعنى الموضوع له المحمول .
وأمّا في الحمل الشائع فتقريب الإستدلال هو : أنا لمّا علمنا بأنّ « زيد » فرد لطبيعة من الطبائع ، وكان جهلنا في أن تلك الطبيعة هي طبيعة الإنسان أو طبيعة اخرى ، فحينئذ نحمل « الإنسان » على « زيد » ، فإنْ صحّ الحمل ظهر أن « زيد » فرد من هذه الطبيعة .
* وقد أورد في ( المحاضرات ) أمّا على الحمل الأوّلي فبما ملخّصه : إن المستعمل يرى قبل الحمل الإتحاد بين الموضوع والمحمول ، لأنه يتصوّرهما بالتفصيل ، فالمعنى الحقيقي منكشف عنده ولا جهل له به ليرتفع بالحمل ، فصحّة الحمل لا تكون من أمارات كشف المعنى الحقيقي .
وأجاب عنه شيخنا في الدورة السابقة : بأنه إن كان الغرض من الحمل في « الإنسان حيوان ناطق » هو الإخبار وإفهام الغير ، فالإشكال وارد ، لأن المخبر لابدّ وأن يكون عالماً بمعنى كلامه ، ولكنْ قد يكون الغرض من الحمل استكشاف الاتّحاد بين الموضوع والمحمول ، بأنْ تكون فائدة الحمل تبدّل العلم الإرتكازي بالوضع الموجود عند المستعلم إلى العلم التفصيلي ، كما كان الحال في التبادر ، حيث رأى أن المعنى ينسبق إلى ذهنه من حاقّ اللّفظ من غير استناد إلى قرينة ، فأصبح علمه الإرتكازي بالمعنى علماً تفصيليّاً ، كما ذكر المستشكل نفسه في مبحث التبادر ، وعلى هذا ، فالإشكال غير وارد .
* وأورد عليه في ( المحاضرات ) أيضاً : بأن مقام الحمل يكشف عن المفاهيم بما هي مفاهيم ، وعن المصاديق بما هي مصاديق ، ولا ربط له بالمستعمل فيه حتى يكون علامةً على المعنى الحقيقي ، فالحمل الأوّلي يحمل فيه المفهوم على المفهوم بما هما مفهومان ، ويشهد بذلك وجود الحمل عند غير المتمكّن من التلفّظ ، فإن الأخرس يرى مفهوم « الحيوان الناطق » وهو مفهوم تفصيلي ، ويرى مفهوم « الإنسان » وهو مفهوم إجمالي ، ثم يحمل هذا على ذاك ويحكم بالإتحاد . فالحمل الأوّلي يكشف عن الإتحاد بين المفهومين ، وبحث الحقيقة والمجاز إنما يكون في عالم الإستعمال بالنظر إلى المستعمل فيه بما هو مستعمل فيه .
وأما في الحمل الشائع ، فإن هذا القسم من الحمل ينتج كون هذا مصداقاً لذاك أو ليس بمصداق له ، كقولنا : « زيد إنسان » وقولنا : « زيد ليس بجماد » ، وهذا لا علاقة له بالمستعمل فيه اللّفظ ، سواء كان حقيقةً أو مجازاً .
وهذا الإشكال قد ذكره الاستاذ في الدورة السابقة ، وأجاب عنه بما ذكره المحقّق الإصفهاني في كتاب ( الاصول على النهج الحديث ) من أن الحمل يكشف عن الإتحاد المفهومي ـ كما في الأوّلي ـ أو الوجودي ـ كما في الشائع ولكنْ ربما يحصل منه المعنى الحقيقي في حال كون المحمول مجرّداً عن القرينة . وأوضحه شيخنا بأنّا لا ندّعي أن مطلق الحمل يكشف عن المعنى الحقيقي ، بل هو فيما إذا كان اللّفظ فانياً في المعنى ومحمولا على الموضوع بلا قرينة ، فإنّه حينئذ يكشف عن المعنى الحقيقي .
أمّا في الدورة اللاّحقة ، فقد أورده ، وبه أسقط صحّة الحمل عن كونه علامةً ، والظاهر أنّ هذا هو الصحيح ، فإني لا أرى كلامه المزبور وافياً بالجواب .
وأسقط شيخنا هذه العلامة في الدورة السابقة ـ بعد الجواب عمّا أورد عليها ـ بأن القابل للإستدلال هو الحمل الشائع ، لكنه ـ كما قال المحقق الإصفهاني ـ يرجع إلى التبادر ، وليس علامةً غيره.
Menu