حقيقة الوضع
إختلفت كلمات المحقّقين في حقيقة الوضع على ستة أقوال أو أكثر ، ونحن نذكرها ونتكلّم عليها ، فنقول :
صاحب الكفاية
أمّا صاحب ( الكفاية ) قدّس سرّه فلا يظهر من كلامه شيء عن حقيقة الوضع ، وإنما قال :
« الوضع هو نحو اختصاص للّفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما ، ناش من تخصيصه به تارةً ومن كثرة استعماله فيه أخرى ، وبهذا المعنى صحّ تقسيمه إلى التعييني والتعيّني »(1) .
فهذا الكلام ـ كما لايخفى ـ ليس فيه بيانٌ لحقيقة الوضع ، ولهذا قد لا يذكر كلامه في هذا المبحث إلاّ للإشارة إلى الخصوصيّات التي لحظها فيه … كالسرّ في عدوله عن « التخصيص » إلى « الاختصاص » ، وأنّه لماذا قال : « نحو اختصاص » ؟ أمّا العدول المذكور فلأنّه وإن كان الوضع التعييني « تخصيصاً » من الواضع ، لكنّ الوضع التعيّني يحصل على أثر كثرة استعمال اللّفظ في المعنى ، فهو « اختصاص » لعدم المعنى للتّخصيص التعيّني . وأمّا التعبير بـ « نحو اختصاص » فلأنّ الاختصاص على نحوين ، فتارةً : يوجد أثر تكويني في المختصّ والمختصّ به ، كالإختصاصات الواقعيّة ، واُخرى : لا يوجد ، ومن هذا القبيل وضع الألفاظ ، فهو « نحو اختصاص » .
هذا ، والكلام في المقام حول حقيقة هذا الإختصاص ، لأنه علقة بين اللّفظ والمعنى موجودة بلا ريب ، وليست من سنخ الجواهر والأعراض ، لأنّها اُمور موجودة ، والعلقة بين اللّفظ والمعنى ـ كلفظ الماء وذاك الجسم البارد بالطبع السيّال ـ غير قائمة بالوجود ، فإنّها موجودة سواء وجد المعنى أو لا … إلاّ أنّ وجودها يكون بالإعتبار كما لايخفى ، لكن لا من سنخ الإعتبارات الشرعيّة والعقلائيّة لكون موضوعها هو الوجود الخارجي للبيع مثلا في اعتبار الملكيّة ولزيد عند اعتبار الزوجيّة ، لما تقدّم من عدم تقوّم العلقة الوضعيّة بين اللّفظ والمعنى بالوجود ، لا ذهناً ولا خارجاً … ولعلّ هذه الاُمور مقصودة لصاحب ( الكفاية ) في قوله : « نحو اختصاص »(2) .
(1) كفاية الاصول : 9 .
(2) أجود التقريرات 1 / 11 .