المحقق الفشاركي و جماعة
قال المحقق الحائري في ( درر الاصول ) :
« الذي يمكن تعقّله : أنْ يلتزم الواضع أنه متى أراد معنىً وتعقّله وأراد إفهام الغير ، تكلَّم بلفظ كذا ، فإذا التفت المخاطب بهذا الإلتزام ينتقل إلى ذلك المعنى عند استماع ذلك اللّفظ منه ، فالعلاقة بين اللّفظ والمعنى تكون نتيجة لذلك الالتزام ، وليكن منك على ذكر …
الدالّ على التعهّد تارةً يكون تصريح الواضع ، واخرى : كثرة الإستعمال ، ولا مشاحة في تسمية الأول وضعاً تعيينيّاً والثاني تعينيّاً »(1) .
وقد استدلّ لهذا القول ـ الذي اختاره جمع من المحققين ، كالنهاوندي والخوئي ـ بوجوه هي :
أوّلا : مساعدة الوجدان .
وثانياً : إن الوضع مساوق للجعل لغةً ، ومن هذا الباب وضع القانون مثلا .
وثالثاً : إن الغرض من الوضع هو قصد التفهيم ، وهو ـ أي هذا القصد ـ من اللّوازم الذاتيّة للالتزام ، وهذا الإرتباط بين الغرض وعمل الإنسان ـ أعني قصده ـ يوجب القول بكون الوضع عبارة عن الإلتزام .
هذا ، ولا يخفى أنّ الوضع بناءً على هذا أمر تكويني ، لأنّ الإلتزام من أفعال النفس وله واقعيّة ، فليس الوضع من الامور الإعتبارية .
وأيضاً : فإنّ هذا المبنى إنما يتمشّى على القول بأنّ كلّ مستعمل واضع ، لأنّ المستعمل كلّما قصد تفهيم معنىً أبرزه باللّفظ الموضوع له ، فلا محالة لا يتعلّق الإلتزام من الإنسان إلاّ بما يكون تحت اختياره ، ويستحيل تعلّق الالتزام بفعل الغير ، بأنْ يلتزم الواضع مثلا أنَّ كلّ من أراد الجسم البارد السيّال فهو يبرز قصده ومراده بلفظ الماء .
وأيضاً : مما ذكره في كيفيّة تقسيم الوضع إلى التعييني والتعيّني يظهر أنّ كلّ من لم يكن تعهّده مسبوقاً بالغير فهو الواضع الأوّل للّفظ ، وهذا لا ينفي أن يكون المستعملون كلّهم واضعين كما ذكرنا من قبل .
هذا هو المهمّ من الكلام في أدلّة هذا القول ومزاياه .
ثم إنّه قد أورد على هذا المبنى بأن الإلتزام باستعمال اللّفظ عند إرادة تفهيم المعنى فرعٌ للعلم بالوضع ، فلابدَّ أولا من العلم بالوضع ثم الإلتزام بالإستعمال كذلك ، فإنْ كان الوضع هو الإلتزام نفسه لزم الدور ، لأن الإلتزام موقوف على العلم بالوضع ، وهو موقوف على الإلتزام .
وقد أوضح شيخنا دام ظلّه الجواب عن هذا الايراد بأنّ الالتزام تارةً كلّي واخرى شخصي ، والوضع من قبيل الأول ، بمعنى أنّ الواضع يلتزم إلتزاماً كليّاً بأنّه متى أراد المعنى الكذائي استعمل اللّفظ الكذائي ، وللشخص في نفس الوقت التزام شخصي أيضاً ، لكونه أحد المستعملين ، والذي يتوقف على العلم بالوضع هو الإلتزام الشخصي دون الكلّي .
(1) درر الاصول 1/35 ط جامعة المدرّسين.