المحقق الإصفهاني
ويقول المحقق الإصفهاني : إن حقيقة الوضع هو الوضع الإعتباري لا غير … وتوضيح ذلك :
إن العلقة الوضعية بين اللّفظ والمعنى ليست من الامور الواقعية التي يوجد بأزائها شيء في الخارج كالجواهر والأعراض ، ولا من الامور الواقعيّة التي ليس بأزائها في الخارج شيء ، كالامور الانتزاعية ـ كالفوقية ، فإنّها ليست في الخارج ، وإنما منشأ الانتزاع موجود وهو السقف ـ والدليل على مغايرة العلقة الوضعية للامور الواقعية بقسميها هو أن تلك الامور لا تختلف باختلاف الأنظار بخلاف العلقة الوضعيّة ، وأيضاً : فإنّ لوجود أو عدم تلك الامور أثراً ، فوجود السواد على الجدار وعدم وجوده ذو أثر ، كما أنّ السقف مثلا إذا عدمت فوقيّته وسلبت عنه صار تحتاً ، بخلاف العلقة الوضعيّة ، فإنّ وجودها وعدم وجودها بالنسبة إلى طرفيها سواء .
وعلى الجملة ، فإن العلقة الوضعيّة ليست من الامور الواقعيّة ، بل هي من الامور الإعتباريّة .
ثم إن المحقق الإصفهاني يستعين على مدّعاه بمطلبين :
الأوّل : إن سنخ دلالة اللّفظ على المعنى سنخ دلالة الأعلام والعلائم الموضوعة على الطرق لتحديد المسافات ، فكما توضع العلامة على رأس الفرسخ للدّلالة على ذلك ، كذلك وضع اللّفظ على المعنى ، فهو للدلالة عليه .
والثاني : إنّه كما أنّ الكلمة المستعملة لذلك العمل التكويني هو « الوضع » كذلك هذه الكلمة هي التي تستعمل للدّلالة على هذا العمل الإعتباري ، فيقال : هذا اللّفظ « موضوع » للمعنى الكذائي ، والذي جعله دالاًّ عليه يسمى بـ « الواضع » .
فظهر :
1 ـ إن العلقة الوضعيّة أمر اعتباري .
2 ـ إن هذا الأمر الإعتباري من سنخ وضع الدلالات والعلائم والأعلام ، فكما أنّ هناك وضعاً لكنه تكويني ، فهنا أيضاً وضع لكنه اعتباري .
فحقيقة الوضع : جعل اللّفظ ونصبه ووضعه على المعنى في عالم الإعتبار .
Menu