مختار شيخنا الاستاذ
وذهب شيخنا دام بقاه في الدورتين إلى أن حقيقة الوضع هي العَلاميَّة والدليليّة .
قال : بأن الإنسان في بادئ الأمر كان يبرز مقاصد النفسانية وأغراضه القلبية والباطنية بواسطة الإشارة ، وحتى الآن أيضاً قد يلتجئ إلى ذلك إذا لم يتمكن من التلفّظ ، فكانت الإشارة هي الوسيلة والسبب والعلامة لتفهيم مقاصده ، فلما وجد اللّفظ ، كان دوره نفس دور الإشارة ، وقام مقامها في الوسيليّة ، فكان اللّفظ هو العلامة والوسيلة لإفادة المعنى المتعلق به الغرض ، فكان وضع لفظ على معنىً علامةً له ووسيلةً لإفهامه ، وكان اسماً لذلك المعنى يُطلق عند إرادته ، والعلامية والدليليّة والتسمية ـ ما شئت فعبّر ـ عنوان عام يشمل الوضع للاسم وللفعل وللحرف .
هذا وجداناً .
ويدلّ عليه من الكتاب ، قوله تعالى : ( لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً )(1) أي : لم يكن في الوجود قبل « يحيى » أحد يُعرف بهذا الاسم . وكذا قوله تعالى : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ )(2) أي : هو الذي وضع عليكم هذا الاسم ، هذه العلامة.
ومن الأخبار ، ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر في ( العيون ) و (التوحيد) و ( معاني الأخبار ) عن ابن فضّال عن الرضا عليه السلام عن بسم الله . قال : معنى قول القائل بسم الله ، أي اُسميّ نفسي بسمة من سمات الله عز وجل وهي العبادة ، فقلت : وما السمة ؟ قال : العلامة(3) .
إن العلامة على قسمين ، تارة : هي ذاتية مثل ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ )(4) واخرى : هي جعلية مثل الصّبح الصّادق حيث جعل علامة شرعيّةً للصّلاة .
فواقع التسمية ـ وهو الذي يسأل عنه ابن فضّال ، لا مفهوم التسمية ـ هو العلامة .
ومن كلمات اللغويين ، ما جاء في ( القاموس ) و ( لسان العرب ) من أنّ الألفاظ علامة للمعاني والاسم علامة للمسمّى .
ومن هنا ، فقد قُسمت الدلالة إلى العقليّة والطبعيّة واللفظيّة ، فكما أن « اُ ح اُ ح» علامة ـ بالطبع ـ على وجع الصدر ، كذلك لفظ « الحسن » علامة ـ بالوضع على المسمّى بهذا الاسم .
فحقيقة الوضع : جعل العلامة والاسم = التسمية والعَلاميّة …
والفرق بين هذا المبنى ومبنى المحقق العراقي قابليّة مختارنا للتقسيم إلى التّعييني والتعيّني ، وأن الجعل بناءً عليه أمر اعتباري وليس من سنخ الجعل التكويني ، وإنما هو امتداد للإشارة كما ذكرنا .
(1) سورة مريم : 7 .
(2) سورة الحج : 78 .
(3) معاني الأخبار : 3 ط مكتبة الصدوق .
(4) سورة النحل : 16 .