الموضوع له لفظ الصلاة
قد ذكر المحقق الخراساني أربعة أدلّة للوضع للصحيح هي : التبادر ، عدم صحّة السّلب ، والروايات مثل « الصوم جُنّة من النار »(1) ، وطريقة العقلاء في التسمية .
والتحقيق أن لا شيء منها بصحيح .
وعلى الجملة ، فإنّه لم يتم تصوير الجامع على القول بالصحيح .
والممكن ثبوتاً هو الوضع للأعم ، والدليل عليه في مقام الإثبات هو تبادر الجامع بين الصحيح والفاسد من لفظ « الصلاة » ، فقول الشيخ والميرزا لا يمكن المساعدة عليه ، وإلاّ لزم حمل جميع إطلاقات الكتاب والسنّة على المجاز .
فالتبادر دليل على الوضع للأعم عند المتشرّعة ، وعند الشارع ، فإنْ قوله عليه الصّلاة والسلام : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب »(2) نفي للمعنى ادّعاءً عند العلماء وليس حقيقةً ، وهذا معناه كون لفظ الصّلاة صادقاً على الحصّة الفاسدة حقيقةً ، وإلاّ لما أمكن نفي كونها صلاةً ادّعاء .
فالموضوع له لفظ « الصّلاة » أعم من الصحيح والفاسد .
وكما لم يتم مختار الشيخ والميرزا ، كذلك لم يتم مختار المحقق القمي ومن تبعه من أنّ الموضوع له هو الأركان لا بشرط …
وقد كان أسلم المباني مختار السيد البروجردي …
لكن المهمّ هو الرجوع إلى اللّغة وإطلاقات الكتاب والسنّة كما أشرنا .
والمستفاد من كلمات اللّغويين أن « الصلاة » قد اطلقت بمعنيين ، أحدهما : الدعاء والآخر : التعظيم ، حتى قيل في : صليت الحديد بالنار ، انّ المعنى تليينه ، أي حصول اللينة والخشوع في الحديد .
لكن محلّ الكلام هو مادّة « ص ، ل ، و » لا مادّة « ص ، ل ، ي » فالصّلاة تارة بمعنى الدعاء ، واخرى بمعنى التعظيم . هذا لغةً .
وفي الشّرع يمكن أن يكون هو المعنى ، وأمّا الأجزاء ، فإنّما اعتبرها في متعلَّق الأمر ، وكذلك لفظ « الصّيام » و « الحج » وغيرهما ، لكنّ المشكلة في لفظ « الصّلاة » ما جاء في بعض الروايات من جعل « الدعاء » جزءً من أجزائها ، فهذا يمنعنا من القول بأنّ الموضوع له شرعاً هو الدعاء أيضاً ، ولولا ذلك ، فإن إطلاقات الكتاب أيضاً تناسب أن يكون المعنى هو التخشّع والدعاء كما في اللّغة ، وأنّ هذا اللّفظ في الأديان السابقة أيضاً كان بهذا المعنى .
وقد وقع البحث بين الفقهاء في حقيقة صلاة الميّت ، والذي يفيده النظر الدقيق في الأخبار أنها صلاة حقيقةً ، ومن المعلوم اشتمالها على الدعاء والتخشّع ، وعدم وجود الركوع والسجود فيها ، ففي الصحيحة : « إنها ليست بصلاةِ ركوع وسجود »(3) فهي صلاةٌ لكن لا صلاة ركوع وسجود .
ومن هذه الأخبار أيضاً يظهر أن ذات الأركان قسمٌ من الصّلاة ، لا أن لفظ الصّلاة موضوع لها فقط … نعم ، هي معتبرةٌ في متعلَّق الأمر .
ولو قيل : إنَّ صحيحة الحلبي : « الصلاة ثلاث أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود »(4) ظاهرة في دخل الركوع والسجود في المسمّى الموضوع له لفظ الصّلاة .
قلنا : فقوله عليه السلام « ثلث طهور » مانعٌ من هذا الإستظهار ، للقطع بعدم كون الطّهور من أجزاء الصّلاة .
فحقيقة الصلاة ـ بالنظر إلى إطلاقات الكتاب والسنّة ـ هو التعظيم الجوارحي قولا وفعلا ، وحدّها صلاة الخوف .
ولا ينافي ذلك صدق عنوان الصلاة مع وجود ما يزيد على التعظيم والتخشّع ، فإنّ من الماهيّات ما هذا حاله ، كالعدد ، فإنّه يصدق على الواحد ، فإنْ زاد وصار اثنين صدق أيضاً بلا فرق ، وكذا « الجمع » ، فإنه مفهوم يصدق على المراتب المختلفة … ولا يلزم المجاز .
وقد سمّيت صلاة الخوف باسم « الصلاة » في جميع الكتب الفقهيّة ، ولا يصح سلب عنوان « الصلاة » عنها ، ممّا يدل على كونه حقيقةً فيها .
(1) وسائل الشيعة 10/395 ، الباب 1 من أبواب الصوم المندوب ، رقم : 1 .
(2) غوالي اللآلي 1/196 ، رقم : 2 .
(3) وسائل الشيعة 3/90 ط مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، الباب 8 من أبواب صلاة الجنازة ، رقم : 1 .
(4) وسائل الشيعة 6/310 ، الباب 9 من أبواب الركوع والسجود ، رقم : 1 .